حاصلة بأية آية كانت، والآيات كلها سواء في حصول صحة الدعوة بها لا تفاوت بينها، والذي عنده كل شيء بمقدار يعطي كل نبي آية على حسب ما اقتضاه علمه بالمصالح وتقديره لها ﴿ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ من الأنبياء يهديهم إلى الدين، ويدعوهم إلى الله بوجه من الهداية، وبآية خص بها، ولم يجعل الأنبياء شرعاً واحداً في آيات مخصوصة. ووجه آخر : وهو أن يكون المعنى أنهم يجحدون كون ما أنزل عليك آيات ويعاندون، فلا يهمنك ذلك، إنما أنت منذر، فما عليك إلا أن تنذر لا أن تثبت الإيمان في صدورهم، ولست بقادر عليه، ولكل قوم هاد قادر على هدايتهم بالإلجاء، وهو الله تعالى. ولقد دل بما أردفه من ذكر آيات علمه وتقديره الأشياء على قضايا حكمته أن إعطاءه كل منذر آيات خلاف آيات غيره : أمر مدبر بالعلم النافذ مقدّر بالحكمة الربانية، ولو علم في إجابتهم إلى مقترحهم خيراً ومصلحة، لأجابهم إليه. وأما على الوجه الثاني، فقد دل به على أن من هذه قدرته وهذا علمه، هو القادر وحده على هدايتهم، العالم بأي طريق يهديهم، ولا سبيل إلى ذلك لغيره.
! ٧ < ﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الاٌّ رْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾ > ٧ !
< < الرعد :( ٨ ) الله يعلم ما..... > > ﴿اللَّهَ يَعْلَمُ ﴾ يحتمل أن يكون كلاماً مستأنفاً، وأن يكون المعنى : هو الله، تفسيراً لهاد على الوجه الأخير، ثم ابتدىء فقيل :﴿ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى ﴾ ( وما ) في ﴿ مَا تَحْمِلُ ﴾، ﴿ وَمَا تَغِيضُ ﴾، ﴿ وَمَا تَزْدَادُ ﴾ إما موصولة، وإما مصدرية. فإن كانت موصولة، فالمعنى : أنه يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو. من ذكورة وأنوثة، وتمام وخداج، وحسن وقبح، وطول وقصر، وغير ذلك من الأحوال الحاضرة والمترقبة، ويعلم ما تغيضه الأرحام : أي تنقصه. يقال : غاض الماء وغضته أنا. ومنه قوله تعالى :﴿ وَغِيضَ الْمَاء ﴾ ( هود : ٤٤ ) وما تزداده : أي تأخذه زائداً، تقول : أخذت منه حقي، وازددت منه كذا ومنه قوله تعالى :﴿ وَازْدَادُواْ تِسْعًا ﴾ ( الكهف : ٢٥ ) ويقال : زدته فزاد بنفسه وازداد، ومما تنقصه الرحم وتزداده عدد الولد، فإنها تشتمل على واحد، وقد تشتمل على اثنين وثلاثة وأربعة. ويروى أن شريكاً كان رابع أربعة في بطن أمه. ومنه جسد الولد، فإنه يكون تاما ومخدجاً. ومنه مدة ولادته، فإنها تكون أقل من تسعة أشهر وأزيد عليها إلى سنتين عند أبي حنيفة، وإلى أربع عند الشافعي، وإلى خمس عند مالك، وقيل : إنّ الضحاك ولد لسنتين،