فأجابوهم معتذرين عما كان منهم إليهم : بأن الله لو هداهم إلى الإيمان لهدوهم ولم يضلوهم، إما موكورين الذنب في ضلالهم وإضلالهم على الله، كما حكى الله عنهم وقالوا ﴿ لَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ ىَابَاؤُنَا ﴾ ( الأنعام : ١٤٨ )، ﴿ لَوْ شَآء اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْء ﴾ ( النحل : ٣٥ ) يقولون ذلك في الآخرة كما كانوا يقولونه في الدنيا. ويدل عليه قوله حكاية عن المنافقين ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهِ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَىْء ﴾ ( المجادلة : ١٨ ). وإما أن يكون المعنى : لو كنا من أهل اللطف فلطف بنا ربنا واهتدينا لهديناكم إلى الإيمان. وقيل : معناه لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم، أي : لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة ﴿ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ﴾ وروي أنهم يقولون : تعالوا نجزع، فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم، فيقولون : تعالوا نصبر، فيصبرون كذلك ثم يقولون : سواء علينا. فإن قلت : كيف اتصل قوله سواء علينا بما قبله ؟ قلت اتصاله من حيث أنّ عتابهم لهم كان جزعاً مما هم فيه، فقالوا : سواء علينا أجزعنا أم صبرنا، يريدون أنفسهم وإياهم، لاجتماعهم في عقاب الضلالة التي كانوا مجتمعين فيها، يقولون : ما هذا الجزع والتوبيخ ؟ ولا فائدة في الجزع كما لا فائدة في الصبر والأمر من ذلك أطمّ. أو لما قالوا لو هدانا الله طريق النجاة لأغنينا عنكم وأنجيناكم، أتبعوه الإقناط من النجاة فقالوا :﴿ مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ ﴾ أي منجى ومهرب، جزعنا أم صبرنا، ويجوز أن يكون من كلام الضعفاء والمستكبرين جميعاً، كأنه قيل : قالوا جميعاً سواء علينا، كقوله :﴿ ذالِكَ لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ ﴾ ( يوسف : ٥٢ ) والمحيص يكون مصدراً كالمغيب والمشيب. ومكاناً كالمبيت والمصيف. ويقال : حاص عنه وجاض، بمعنى واحد.
! ٧ < ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الاٌّ مْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ > ٧ !
< < إبراهيم :( ٢٢ ) وقال الشيطان لما..... > > ﴿ لَمَّا قُضِىَ الاْمْرُ ﴾ لما قطع الأمر وفرغ منه، وهو الحساب، وتصادر الفريقين ودخول أحدهما الجنة ودخول الآخر النار. وروي أنّ الشيطان يقوم عند ذلك خطيباً في الأشقياء