وتذللا لعزتك، وافتقاراً إلى ما عندك، واستعجالاً لنيل أياديك، وولهاً إلى رحمتك، وكما يتملق العبد بين يدي سيده، رغبة في إصابة معروفه، مع توفر السيد على حسن الملكة. وعن بعضهم : أنه رفع حاجته إلى كريم فأبطأ عليه النجح، فأراد أن يذكره فقال : مثلك لا يذكر استقصاراً ولا توهما للغفلة عن حواب السائلين، ولكن ذا الحاجة لا تدعه حاجته أن لا يتكلم فيها. وقيل : ما تخفي من الوجد لما وقع بينا من الفرقة، وما نعلن من البكاء والدعاء. وقيل : ما نخفي من كآبة الافتراق، وما نعلن : يريد ما جرى بينه وبين هاجر حين قالت له عند الوداع : إلى من تكلنا ؟ قال : إلى الله أكلكم. قالت : الله أمرك بهذا ؟ قال : نعم. قالت : إذن لا نخشى، تركتنا إلى كاف ﴿ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِن شَىْء ﴾ من كلام الله عز وجل تصديقاً لإبراهيم عليه السلام، كقوله :﴿ وَكَذالِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ ( النمل : ٣٤ ) أو من كلام إبراهيم، يعني : وما يخفى على الله الذي هو عالم الغيب من شيء في كل مكان. ( ومن ) للاستغراق، كأنه قيل : وما يخفى عليه شيء ما. ﴿ عَلَى ﴾ في قوله :﴿ عَلَى الْكِبَرِ ﴾ بمعنى مع كقوله :% ( إنِّي عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنْ كِبَرِى % أَعْلَمُ مِنْ حَيْثُ تُؤْكَلُ الْكَتِفُ ) %
وهو في موضع الحال، معناه : وهب لي وأنا كبير وفي حال الكبر. روي أنّ إسماعيل ولد له وهو ابن تسع وتسعين سنة، وولد له إسحاق وهو ابن مائة وثنتي عشرة سنة، وقد روي أنه ولد له إسماعيل لأربع وستين. وإسحاق لتسعين. وعن سعيد بن جبير : لم يولد لإبراهيم إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة، وإنما ذكر حال الكبر لأنّ المنة بهبة الولد فيها أعظم، من حيث أنها حال وقوع اليأس من الولادة. والظفر بالحاجة على عقب اليأس من أجلّ النعم وأحلاها في نفس الظافر، ولأنّ الولادة في تلك السنّ العالية كانت آية لإبراهيم ﴿ إِنَّ رَبّى لَسَمِيعُ الدُّعَاء ﴾ كان قد دعا ربه وسأله الولد، فقال : رب هب لي من الصالحين، فشكر لله ما أكرمه به من إجابته فإن قلت : الله تعالى يسمع كل دعاء، أجابه أو لم يجبه. قلت : هو من قولك : سمع الملك كلام فلان إذا اعتد به وقبله ومنه : سمع الله لمن حمده وفي الحديث.
( ٥٧٤ ) ( ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن ) فإن قلت : ما هذه الإضافة إضافة السميع إلى الدعاء ؟ قلت : إضافة الصفة إلى مفعولها، وأصله لسميع الدعاء. وقد

__________


الصفحة التالية
Icon