على فعلك، وربما ندم الإنسان على ما فعل، ولا يشكون في تندمه، ولا يقصدون تقليله، ولكنهم أرادوا : ولو كان الندم مشكوكاً فيه أو كان قليلاً لحق عليك أن لاتفعل هذا الفعل، لأنّ العقلاء يتحرّزون من التعرّض للغم المظنون، كما يتحرّزون من المتيقن ومن القليل منه، كما من الكثير، وكذلك المعنى في الآية : لو كانوا يودّون الإسلام مرة واحدة، فبالحرى أن يسارعوا إليه، فكيف وهم يودّونه في كل ساعة ﴿ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ﴾ حكاية ودادتهم، وإنما جيء بها على لفظ الغيبة لأنهم مخبر عنهم، كقولك : حلف بالله ليفعلنّ. ولو قيل : حلف بالله لأفعلن ولو كنا مسلمين لكان حسناً سديداً وقيل : تدهشهم أهوال ذلك اليوم فيبقون مبهوتين، فإن حانت منهم إفاقة في بعض الأوقات من سكرتهم تمنوا، فلذلك قلل ﴿ ذَرْهُمْ ﴾ يعني اقطع طمعك من ارعوائهم، ودعهم عن النهي عما هم عليه والصدّ عنه بالتذكرة والنصيحة، وخلهم ﴿ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ ﴾ بدنياهم وتنفيذ شهواتهم، ويشغلهم أملهم وتوقعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال، وأن لا يلقوا في العاقبة إلا خيراً ﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ سوء صنيعهم. والغرض الإيذان بأنهم من أهل الخذلان، وأنهم لا يجيء منهم إلا ما هم فيه، وأنه لا زاجر لهم ولا واعظ إلا معاينة ما ينذرون به حين لا ينفعهم الوعظ، ولا سبيل إلى اتعاظهم قبل ذلك فأمر رسوله بأن يخليهم وشأنهم ولا يشتغل بما لا طائل تحته، وأن يبالغ في تخليتهم حتى يأمرهم بما لا يزيدهم إلا ندماً في العاقبة. وفيه إلزام للحجة ومبالغة في الإنذار وإعذار فيه. وفيه تنبيه على أن إيثار التلذذ والتنعم وما يؤدّي إليه طول الأمل. وهذه هجيرى أكثر الناس ليس من أخلاق المؤمنين، وعن بعضهم : التمرغ في الدنيا من أخلاق الهالكين.
! ٧ < ﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ * مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأخِرُونَ ﴾ > ٧ !
< < الحجر :( ٤ - ٥ ) وما أهلكنا من..... > > ﴿ وَلَهَا كِتَابٌ ﴾ جملة واقعة صفة لقرية، والقياس أن لا يتوسط الواو بينهما كما في قوله تعالى :﴿ وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا * مُّنذِرِينَ ﴾ ( الشعراء : ٢٠٨ ) وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، كما يقال في الحال : جاءني زيد عليه ثوب، وجاءني وعليه ثوب. كتاب ﴿ مَّعْلُومٌ ﴾ مكتوب معلوم، وهو أجلها الذي كتب في اللوح وبين، ألا ترى إلى قوله ﴿ مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا ﴾ في موضع كتابها، وأنث الأمة أوّلا ثم ذكرها آخراً حملا على اللفظ والمعنى وقال :﴿ وَمَا يَسْتَخِرُونَ ﴾ بحذف ( عنه ) لأنه معلوم.

__________


الصفحة التالية
Icon