البيوت. وقيل : ما يبنون للنحل في الجبال والشجر والبيوت من الأماكن التي تتعسل فيها والضمبر في يعرشون للناس فإن قلت ما معنى ( من ) في قوله ﴿ أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾ وهلا قيل في الجبال وفي الشجر ؟ قلت : أريد معنى البعضية، وأن لا تبني بيوتها في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش ولا في كل مكان منها ﴿ مِن كُلّ الثَّمَراتِ ﴾ إحاطة بالثمرات التي تجرسها النحل وتعتاد أكلها، أي ابني البيوت، ثم كلي من كل ثمرة تشتهينها، فإذا أكلتها ﴿ فَاسْلُكِى سُبُلَ رَبّكِ ﴾ أي الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل. أو فاسلكي ما أكلت في سبل ربك، أي في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المرّ عسلا من أجوافك ومنافذ مآكلك. أو إذا أكلت الثمار في المواضع البعيدة من بيوتك، فاسلكي إلى بيوتك راجعة سبل ربك، لا تتوعر عليك ولا تضلين فيها، فقد بلغني أنها ربما أجدب عليها ما حولها فتسافر إلى البلد البعيد في طلب النجعة. أو أراد بقوله :﴿ ثُمَّ كُلِى ﴾ ثم اقصدي أكل الثمرات فاسلكلي في طلبها في مظانها سبل ربك ﴿ ذُلُلاً ﴾ جمع ذلول، وهي حال من السبل ؛ لأنّ الله ذللها لها ووطأها وسهلها، كقوله :﴿ هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الاْرْضَ ذَلُولاً ﴾ ( الملك : ١٥ ) أو من الضمير في ﴿ فَاسْلُكِى ﴾ أي : وأنت ذلل منقادة لما أمرت به غير ممتنعة ﴿ شَرَابٌ ﴾ يريد العسل، لأنه مما يشرب ﴿ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ منه أبيض وأسود وأصفر وأحمر ﴿ فِيهِ شِفَآء لِلنَّاسِ ﴾ لأنه من جملة الأشفية والأدوية المشهورة النافعة، وقل معجون من المعاجين لم يذكر الأطباء فيه العسل، وليس الغرض أنه شفاء لكل مريض، كما أن كل دواء كذلك. وتنكيره إمّا لتعظيم الشفاء الذي فيه، أو لأن فيه بعض الشفاء، وكلاهما محتمل. وعن النبي ﷺ :
( ٥٨٧ ) أن رجلاً جاء إليه فقال : إن أخي يشتكي بطنه، فقال :( اذهب واسقه العسل ) فذهب ثم رجع فقال : قد سقيته فما نفع، فقال :( اذهب واسقه عسلاً ) فقد صدق