الإيمان بلحمه ودمه ) فأتى عمار رسول الله ﷺ وهو يبكي، فجعل النبي ﷺ يمسح عينيه وقال :( مالكا إن عادوا لك فعد لهم بما قلت ) ومنهم جبر مولى الحضرمي. أكرهه سيده فكفر ثم أسلم مولاه وأسلم، وحسن إسلامهما، وهاجرا فإن قلت : أي الأمرين أفضل، أفعل عمار أم فعل أبويه ؟ قلت : بل فعل أبويه ؛ لأنّ في ترك التقية والصبر على القتل إعزازاً للإسلام. وقد روي :
( ٥٩٦ ) أنّ مسيلمة أخذ رجلين فقال لأحدهما : ما تقول في محمد ؟ قال : رسول الله. قال : فما تقول فيّ ؟ قال أنت أيضاً، فخلاه. وقال للآخر : ما تقول في محمد ؟ قال : رسول الله. قال : فما تقول فيّ ؟ قال أنا أصمّ. فأعاد عليه ثلاثاً، فأعاد جوابه، فقتله، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال :( أما الأوّل فقد أخذ برخصة الله. وأمّا الثاني فقد صدع بالحق فهنيئاً له ) ﴿ ذالِكَ ﴾ إشارة إلى الوعيد، وأنّ الغضب والعذاب يلحقانهم بسبب استحبابهم الدنيا على الآخرة، واستحقاقهم خذلان الله بكفرهم ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ الكاملون في الغفلة الذين لا أحد أغفل منهم ؛ لأنّ الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها.
! ٧ < ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ > ٧ !
< < النحل :( ١١٠ ) ثم إن ربك..... > > ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ ﴾ دلالة على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك، وهم عمار وأصحابه. ومعنى : إنّ ربك لهم، أنه لهم لا عليهم، بمعنى أنه وليهم وناصرهم لا عدوّهم وخاذلهم، كما يكون الملك للرجل لا عليه، فيكون محمياً منفوعاً غير مضرور ﴿ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ﴾ بالعذاب والإكراه على الكفر. وقرىء :( فتنوا ) على البناء للفاعل، أي : بعد ما عذبوا المؤمنين كالحضرمي وأشباهه ﴿ مِن بَعْدِهَا ﴾ من بعد هذه الأفعال وهي الهجرة والجهاد والصبر ﴿ يَوْمَ تَأْتِى ﴾ منصوب برحيم. أو بإضمار اذكر. فإن قلت : ما معنى النفس المضافة إلى النفس ؟ قلت : يقال لعين الشيء وذاته نفسه، وفي نقيضه غيره، والنفس الجملة كما هي، فالنفس الأولى هي الجملة، والثانية عينها وذاتها، فكأنه قيل : يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره، كل يقول : نفسي نفسي. ومعنى المجادلة عنها : الاعتذار عنها كقوله :﴿ هَؤُلاء أَضَلُّونَا ﴾ ( الأعراف : ٣٨ )، ﴿ مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ ( الأنعام : ٢٣ )