تعطنا ذلك، فأعطناه في الآخرة. فقال : وعزتي وجلالي، لا أجعل ذرّية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان. ورووا عن أبي هريرة أنه قال : لمؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده. ومن ارتكابهم أنهم فسروا ﴿ * ﴾ هو ما سوى الملائكة وحسب بني آدم تفضيلاً أن ترفع عليهم الملائكة وهم هم ومنزلتهم عند الله منزلتهم. والعجب من المجبرة كيف عكسوا في كل شيء وكابروا، حتى جسرتهم عادة المكابرة على العظيمة التي هي تفضيل الإنسان على الملك، وذلك بعد ما سمعوا تفخيم الله أمرهم وتكثيره مع التعظيم ذكرهم، وعلموا أين أسكنهم، وأنى قربهم، وكيف نزلهم من أنبيائه منزلة أنبيائه من أممهم، ثم جرّهم فرط التعصب عليهم إلى أن لفقوا أقوالاً وأخباراً منها :
( ٦٢٣ ) قالت الملائكة : ربنا إنك أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون منها ويتمتعون ولم تعطنا ذلك، فأعطناه في الآخرة. فقال : وعزتي وجلالي، لا أجعل ذرّية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان. ورووا عن أبي هريرة أنه قال : لمؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده. ومن ارتكابهم أنهم فسروا ﴿ كَثِيراً ﴾ بمعنى ( جميع ) في هذه الآية، وخذلوا حتى سلبوا الذوق فلم يحسوا ببشاعة قولهم : وفضلناهم على جميع ممن خلقنا، على أن معنى قولهم ﴿ عَلَى * جَمِيعٌ * مّمَّنْ خَلَقْنَا ﴾ أشجى لحلوقهم وأقذى لعيونهم، ولكنهم لا يشعرون. فانظر إلى تمحلهم وتشبثهم بالتأويلات البعيدة في عداوة الملأ الأعلى، كأنّ جبريل عليه السلام غاظهم حين أهلك مدائن قوم لوط، فتلك السخيمة لا تنحل عن قلوبهم.
! ٧ < ﴿ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَائِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾ > ٧ !
< < الإسراء :( ٧١ ) يوم ندعوا كل..... > > قرىء :( يدعو )، بالياء والنون. ويدعى كل أناس، على البناء للمفعول. وقرأ الحسن ( يدعوا كل أناس )، على قلب الألف واواً في لغة من يقول : افعوا. والظرف نصب بإضمار اذكر. ويجوز أن يقال : إنها علامة الجمع، كما في ﴿ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ ( الأنبياء : ٣ ) والرفع مقدّر كما في يدعى، ولم يؤت بالنون قلة مبالاة بها، لأنها غير ضمير، ليست إلا علامة ﴿ بِإِمَامِهِمْ ﴾ بمن ائتموا به من نبيّ أو مقدّم في الدين، أو كتاب، أو دين، فيقال : يا أتباع فلان، يا أهل دين كذا وكتاب كذا، وقيل : بكتاب أعمالهم، فيقال : يا أصحاب كتاب الخير، ويا أصحاب كتاب الشرّ. وفي قراءة الحسن ( بكتابهم ) ومن بدع التفاسير : أن الإمام جمع أمّ، وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم، وأن الحكمة في الدعاء بالأمهات دون الاباء رعاية حق عيسى عليه السلام، وإظهار شرف الحسن والحسين، وأن لا يفتضح أولاد الزنا. وليت شعري أيهما أبدع ؟ أصحة لفظه أم بهاء حكمته ؟ ﴿ فَمَنْ أُوتِىَ ﴾ من هؤلاء المدعوّين ﴿ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءونَ كِتَابَهُمْ ﴾ قيل أولئك، لأن من أوتي في معنى الجمع. فإن قلت : لم خص أصحاب اليمين بقراءة كتابهم ؟ كأن أصحاب الشمال لا يقرؤن كتابهم ؟ قلت : بلى، ولكن إذا اطلعوا على ما في كتابهم، أخذهم ما يأخذ المطالب بالبداء على جناياته، والاعتراف بمساويه، أمام التنكيل به والانتقام

__________


الصفحة التالية
Icon