﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِىُّ ﴾ عن عباده وعن عبادتهم ﴿ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ يترحم عليهم بالتكليف ليعرّضهم للمنافع الدائمة ﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ﴾ أيها العصاة ﴿ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء ﴾ من الخلق المطيع ﴿ كَمَا أَنشَأَكُمْ مّن ذُرّيَّةِ قَوْمٍ ءاخَرِينَ ﴾ من أولاد قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم، وهم أهل سفينة نوح عليه السلام.
! ٧ < ﴿ قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّى عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ > ٧ !
( < < الأنعام :( ١٣٥ ) قل يا قوم..... > > المكانة ) تكون مصدراً يقال : مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن. وبمعنى المكان، يقال : مكان ومكانة ومقام ومقامة. وقوله :﴿ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ يحتمل : اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم. أو اعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها. يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حاله ؛ على مكانتك يا فلان، أي اثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه ﴿ إِنّى عَامِلٌ ﴾ أي عامل على مكانتي التي أنا عليها. والمعنى اثبتوا على كفركم وعداوتكم لي، فإني ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ أينا تكون له العاقبة المحمودة. وطريقة هذا الأمر طريقة قوله ﴿ اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ ﴾ ( فصلت : ٤٠ ) وهي التخلية والتسجيل على المأمور بأنه لا يأتي منه إلاّ الشرّ، فكأنه مأمور به وهو واجب عليه حتم ليس له أن يتفصى عنه ويعمل بخلافه، فإن قلت : ما موضع ﴿ مَن ﴾ ؟ قلت : الرفع إذا كان بمعنى ( أي ) وعلق عنه فعل العلم. أو النصب إذا كان بمعنى ( الذي ) و ﴿ عَاقِبَةُ الدَّارِ ﴾ العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدار لها. وهذا طريق من الإنذار لطيف المسلك، فيه إنصاف في المقال وأدب حسن، مع تضمن شدة الوعيد، والوثوق بأنّ المنذر محقّ والمنذر مبطل.
! ٧ < ﴿ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالاٌّ نْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَاذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَاذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ > ٧ !
< < الأنعام :( ١٣٦ ) وجعلوا لله مما..... > > كانوا يعينون أشياء من حرث ونتاج لله، وأشياء منها لآلهتهم ؛ فإذا رأوا ما جعلوه لله زاكياً نامياً يزيد في نفسه خيراً رجعوا فجعلوه للآلهة، وإذا زكا ما جعلوه للأصنام تركوه لها واعتلوا بأنّ الله غنيّ، وإنما ذاك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها : وقوله :﴿ مِمَّا ذَرَأَ ﴾ فيه أن الله كان أولى بأن يجعل له الزاكي، لأنه هو الذي ذرأه وزكاه، ولا يرد إلى ما لا يقدر على ذرء ولا تزكيه ﴿ بِزَعْمِهِمْ ﴾ وقرىء : بالضم، أي قد زعموا أنه لله والله لم يأمرهم بذلك ولا شرع لهم تلك القسمة التي هي من الشرك، لأنهم أشركوا بين الله وبين أصنامهم في القربة ﴿ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ﴾ أي لا يصلّ إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليها من قرى الضيفان

__________


الصفحة التالية
Icon