﴿ أَيُّ ﴾ يتضمن معنى الاستفهام، فعلق عنه ﴿ لَنَعْلَمُ ﴾ فلم يعمل فيه. وقرىء ( ليعلم ) وهو معلق عنه أيضاً ؛ لأن ارتفاعه بالابتداء لا بإسناد ( يعلم ) إليه وفاعل ( يعلم ) مضمون الجملة كما أنه مفعول ( نعلم ) ﴿ أَيُّ الحِزْبَيْنِ ﴾ المختلفين منهم في مدّة لبثهم ؛ لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك، وذلك قوله ﴿ قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾ ( الكهف : ١٩ ) وكان الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم : هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول أو أي الحزبين المختلفين من غيرهم، و ﴿ أَحْصَى ﴾ فعل ماض أي أيهم ضبط ﴿ أَمَدًا ﴾ لأوقات لبثهم. فإن قلت : فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل ؟ قلت : ليس بالوجه السديد، وذلك أن بناءه من غير الثلاثي المجرّد ليس بقياس. ونحو ( أعدى من الجرب )، و ( أفلس من ابن المذلق ) شاذ. والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع، فكيف به ؟ ولأن ﴿ أَمَدًا ﴾ لا يخلو : إما أن ينتصب بأفعل فأفعل لا يعمل. وإما أن ينصب بلبثوا، فلا يسدّ عليه المعنى. فإن زعمت أني أنصبه بإضمار فعل يدل عليه أحصى، كما أضمر في قوله :
وَأَضْرَبَ مِنَّا بِالسُّيُوفِ القَوَانِسَا
على : نضرب القوانس، فقد أبعدت المتناول وهو قريب، حيث أبيت أن يكون أحصى فعلاً، ثم رجعت مضطراً إلى تقديره وإضماره. فإن قلت : كيف جعل الله تعالى العلم بإحصاءهم المدّة غرضاً في الضرب على آذانهم ؟ قلت : الله عز وجل لم يزل عالماً بذلك، وإنما أراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم، ليزدادوا إيماناً واعتباراً، ويكون لطفاً لمؤمني زمانهم، وآية بينة لكفاره.