إليه مقامه وهو ضمير المتكلم، فانقلب الفعل عن لفظ الغائب إلى لفظ المتكلم، وهو وجه لطيف. ويجوز أن يكون. المعنى : لا أبرح ما أنا عليه، بمعنى : ألزم المسير والطلب ولا أتركه ولا أفارقه حتى أبلغ، كما تقول : لا أبرح المكان. ومجمع البحرين : المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر عليهما السلام، وهو ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق. وقيل : طنجة. وقيل : أفريقية. ومن بدع التفاسير : أن البحرين موسى والخضر، لأنهما كانا بحرين في العلم. وقرىء :( مجمع ) بكسر الميم، وهي في الشذوذ من يفعل، كالمشرق والمطلع من يفعل ﴿ أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً ﴾ أو أسير زماناً طويلاً. والحقب ثمانون سنة. وروي أنه لما ظهر موسى على مصر مع بني إسرائيل واستقرّوا بها بعد هلاك القبط، أمره الله أن يذكر قومه النعمة، فقام فيهم خطيباً فذكر نعمة الله وقال : إنه اصطفى نبيكم وكلمه. فقالوا له : قد علمنا هذا، فأي الناس أعلم ؟ قال : أنا. فعتب الله عليه حين لم يردّ العلم إلى الله، فأوحى إليه : بل أعلم منك عبدٌ لي عند مجمع البحرين وهو الخضر، وكان الخضر في أيام أفريدون قبل موسى عليه السلام، وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر، وبقي إلى أيام موسى. وقيل : إنّ موسى سأل ربه : أيّ عبادك أحبّ إليك ؟ قال الذي يذكرني ولا ينساني. قال : فأيّ عبادك أقضى ؟ قال : الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى. قال : فأيّ عبادك أعلم ؟ قال : الذي يبتغي علم الناس إلى علمه، عسى أن يصيب كلمة تدلّه على هدى، أو تردّه عن ردى. فقال : إن كان في عبادك من هو أعلم مني فادللني عليه. قال : أعلم منك الخضر. قال : أين أطلبه ؟ قال : على الساحل عند الصخرة. قال : يا ربِ، كيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتاً في مكتل، فحيث فقدته فهو هناك. فقال لفتاه : إذا فقدت الحوت فأخبرني، فذهبا يمشيان، فرقد موسى، فاضطرب الحوت ووقع في البحر، فلما جاء وقت الغداء طلب موسى الحوت، فأخبره فتاه بوقوعه في البحر، فأتيا الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوبه، فسلم عليه موسى، فقال : وأني بأرضنا السلام، فعرّفه نفسه، فقال : يا موسى، أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا. فلما ركبا السفينة جاء عصفور فوقع على حرفها فنقر في الماء فقال الخضر : ما ينقص علمي وعلمك من علم الله مقدار ما أخذ هذا العصفور من البحر ﴿ نَسِيَا حُوتَهُمَا ﴾ أي نسيا تفقد أمره وما يكون منه مما جعل أمارة على الظفر بالطلبة. وقيل : نسي يوشع أن يقدّمه، ونسي موسى أن يأمره فيه بشيء. وقيل : كان الحوت سمكة مملوحة. وقيل : إن يوشع حمل الحوت والخبز في المكتل، فنزلا ليلة على شاطىء عين تسمى عين الحياة، ونام موسى، فلما أصاب السمكة برد الماء