على من حرّمها تأكيد وتسديد للتحليل، والاعتراضات في الكلام لا تساق إلاّ للتوكيد ﴿ فِيمَا * أُوحِىَ إِلَىَّ ﴾ تنبيه على أنّ التحريم إنما يثبت بوحي الله تعالى وشرعه، لا بهوى الأنفس ﴿ مُحَرَّمًا ﴾ طعاماً محرّماً من المطاعم التي حرّمتموها ﴿ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً ﴾ إلاّ أن يكون الشيء المحرّم ميتة ﴿ أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا ﴾ أي : مصبوباً سائلاً كالدم في العروق، لا كالكبد والطحال. وقد رخّص في دم العروق بعد الذبح ﴿ أَوْ فِسْقًا ﴾ عطف على المنصوب قبله. سمى ما أهلّ به لغير الله فسقاً لتوغله في باب الفسق. ومنه قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ ( الأنعام : ١٢١ ) وأهل : صفة له منصوبة المحل. ويجوز أن يكون مفعولاً له من أهلّ، أي أهلّ لغير الله به فسقاً. فإن قلت : فعلام تعطف ﴿ أَهْلُ ﴾ ؟ وإلام يرجع الضمير في ﴿ بِهِ ﴾ على هذا القول ؟ قلت : يعطف على يكون، ويرجع الضمير إلى ما يرجع إليه المستكنّ في يكون ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ ﴾ فمن دعته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرّمات ﴿ غَيْرَ بَاغٍ ﴾ على مضطر مثله تارك لمواساته ﴿ وَلاَ عَادٍ ﴾ متجاوز قدر حاجته من تناوله ﴿ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ لا يؤاخذه.
! ٧ < ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَآ أَوِ الْحَوَايَآ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذالِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ * فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ > ٧ !
< < الأنعام :( ١٤٦ ) وعلى الذين هادوا..... > > ذو الظفر ما له أصبع من دابة أو طائر، وكان بعض ذات الظفر حلالاً لهم، فلما ظلموا حرّم ذلك عليهم فعمّ التحريم كل ذي ظفر بدليل قوله :﴿ فَبِظُلْمٍ مّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ﴾ ( النساء : ١٦٠ ) وقوله :﴿ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا ﴾ كقولك : من زيد أخذت ماله، تريد الإضافة زيادة الربط. والمعنى أنه حرّم عليهم لحم كل ذي ظفر وشحمه كل شيء منه، وترك البقر والغنم على التحليل لم يحرّم منهما إلاّ الشحوم الخالصة، وهي الثروب وشحوم الكلي. وقوله :﴿ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا ﴾ يعني إلاّ ما اشتمل على الظهور والجنوب من السحفة ﴿ أَوِ الْحَوَايَا ﴾ أو اشتمل على الأمعاء ﴿ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ﴾ وهو شحم الإلية. وقيل :﴿ الْحَوَايَا ﴾ عطف على شحومهما. و ( أو ) بمنزلتها في قولهم : جالس الحسن أو ابن سيرين ﴿ ذالِكَ ﴾ الجزاء ﴿ جَزَيْنَاهُم ﴾ وهو تحريم الطيبات ﴿ بِبَغْيِهِمْ ﴾ بسبب ظلمهم ﴿ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ فيما أوعدنا به