( ٣٨٧ ) ( إن الشيطان قعد لابن آدم بأَطرُقِهِ : قعد له بطريق الإسلام فقال له : تدع دين آبائك، فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة فقال له : تدع ديارك وتتغرب، فعصاه فهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له : تقاتل فتقتل فيقسم مالك وتنكح امرأتك، فعصاه فقاتل ) ﴿ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم ﴾ من الجهات الأربع التي يأتي منها العدوّ في الغالب. وهذا مثل لوسوسته إليهم وتسويله ما أمكنه وقدر عليه، كقوله :﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ﴾ ( الإسراء : ٦٤ ). فإن قلت : كيف قيل :﴿ مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾ بحرف الابتداء ﴿ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ﴾ بحرف المجاوزة ؟ قلت : المفعول فيه عدي إليه الفعل نحو تعديته إلى المفعول به. فكما اختلفت حروف التعدية في ذاك اختلفت في هذا، وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس. وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط، فلما سمعناهم يقولون : جلس عن يمينه وعلى يمينه، وعن شماله وعلى شماله، قلنا : معنى ( على يمينه ) أنه تمكن من جهة اليمين تمكُّن المستعلي من المستعلى عليه. ومعنى ( عن يمينه ) أنه جلس متجافياً عن صاحب اليمين منحرفاً عنه غير ملاصق له. ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره، كما ذكرنا في ( تعال ). ونحوه من المفعول به قولهم رميت عن القوس، وعلى القوس، ومن القوس ؛ لأن السهم يبعد عنها، ويستعليها إذا وضع على كبدها للرمي، ويبتدىء الرمي منها. كذلك قالوا : جلس بين يديه وخلفه بمعنى فيه ؛ لأنهما ظرفان للفعل. ومن بين يديه ومن خلفه : لأن الفعل يقع في بعض الجهتين، كما تقول : جئته من الليل، تريد بعض الليل، وعن شقيق : ما من صباح إلاّ قعد لي الشيطان على أربع مراصد : من بين يديّ، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي : أمّا من بين يدي فيقول : لا تخف، فإن الله غفور رحيم، فأقرأ :﴿ وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ﴾ ( طه : ٨٢ ) وأمّا من خلفي، فيخوّفني الضيعة على مخلفي فأقرأ :﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الاْرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ ( هود : ٦ ) وأمّا من قبل يميني، فيأتيني من قبل الثناء فأقرأ :