( ٦٩١ ) ( بعثْتُ في نسم الساعةِ ) وفي خطبة بعض المتقدّمين : ولت الدنيا حذاء، ولم تبق إلا صبابة كصبابة الإناء. وإذا كانت بقية الشيء وإن كثرت في نفسها قليلة بالإضافة إلى معظمه، كانت خليقة بأن توصف بالقلة وقصر الذرع. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنّ المراد بالناس : المشركون. وهذا من إطلاق اسم الجنس على بعضه للدليل القائم. وهو ما يتلوه من صفات المشركين. وصفهم بالغفلة مع الإعراض، على معنى : أنهم غافلون عن حسابهم ساهون، لا يتفكرون في عاقبتهم، ولا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم، مع اقتضاء عقولهم أنه لا بدّ من جزاء للمحسن والمسيء. وإذا قرعت لهم العصا ونبهوا عن سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر. أعرضوا وسدوا أسماعهم ونفروا.
! ٧ < ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَاذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ > ٧ !
< < الأنبياء :( ٢ ) ما يأتيهم من..... > > قرّر إعراضهم عن تنبيه المنبه وإيقاظ الموقظ : بأنّ الله يجدّد لهم الذكر وقتاً فوقتاً، ويحدث لهم الآية بعد الآية والسورة بعد السورة، ليكرّر على أسماعهم التنبيه والموعظة لعلهم يتعظون، فما يزيدهم استماع الآي والسور وما فيها من فنون المواعظ والبصائر التي هي أحق الحق وأجدّ الجدّ إلا لعباً وتلهياً واستسخاراً والذكر : هو الطائفة النازلة من القرآن. وقرأ ابن أبي عبلة ﴿ مُّحْدَثٍ ﴾ بالرفع صفة على المحل. قوله :﴿ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾ حالان مترادفتان أو متداخلتان ومن قرأ :﴿ لاَهِيَةً ﴾ بالرفع فالحال واحدة، لأن ﴿ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾ خبر بعد خبر، لقوله :﴿ وَهُمْ ﴾ واللاهية : من لها عنه إذا ذهل وغفل، يعني أنهم وإن فطنوا فهم في قلة جدوى فطنتهم كأنهم لم يفطنوا أصلاً، وثبتوا على رأس غفلتهم، وذهولهم عن التأمّل والتبصر بقلوبهم. فإن قلت : النجوى وهي اسم من التناجي لا تكون إلا خفية، فما معنى قوله :﴿ وَأَسَرُّواْ ﴾ قلت : معناه وبالغوا في إخفائها. أو جعلوها بحيث لا يفطن أحد لتناجيهم ولا يعلم أنهم متناجون، أبدل ﴿ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ من واو وأسرّوا، إشعاراً بأنهم الموسومون بالظلم الفاحش فيما أسرّوا به. أو جاء على لغة من قال ( أكلوني البراغيث ) أو هو منصوب المحل على الذم. أو هو مبتدأ خبره ﴿ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى ﴾ قدّم عليه. والمعنى : وهؤلاء أسروا النجوى. فوضع المظهر موضع المضمر تسجيلاً على فعلهم بأنه ظلم ﴿ هَلْ هَاذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ هذا الكلام كله في محل النصب بدلاً من النجوى، أي : وأسروا هذا الحديث. ويجوز أن يتعلق بقالوا مضمراً : اعتقدوا أنّ رسول الله ﷺ لا يكون إلا ملكاً، وأن كل من ادّعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة هو ساحر ومعجزته

__________


الصفحة التالية
Icon