فأن قلت : الاستحسار مبالغة في الحسور، فكان الأبلغ في وصفهم أن ينفي عنهم أدنى الحسور. قلت : في الاستحسار بيان أنّ ما هم فيه يوجب غاية لحسور وأقصاه، وأنهم أحقاء لتلك العبادات الباهظة بأن يستحسروا فيما يفعلون. أي : تسبيحهم متصل دائم في جميع أوقاتهم، لا يتخلله فترة بفراغ أو شغل آخر.
! ٧ < ﴿ أَمِ اتَّخَذُواْ آلِهَةً مِّنَ الاٌّ رْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ﴾ > ٧ !
< < الأنبياء :( ٢١ ) أم اتخذوا آلهة..... > > هذه أم المنقطة الكائنة بمعنى بل والهمزة، قد آذنت بالإضراب عما قبلها والإنكار لما بعدها، والمنكر : هو اتخاذهم ﴿ الِهَةً مّنَ الاْرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ﴾ الموتى، ولعمري أن من أعظم المنكرات أن ينشر الموتى بعض الموات. فإن قلت : كيف أنكر عليهم اتخاذ آلهة تنشر وما كانوا يدعون ذلك لآلهتهم ؟ وكيف وهم أبعد شيء عن هذه الدعوى وذلك أنهم كانوا مع إقرارهم لله عزّ وجل بأنه خالق السموات والأرض ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالاْرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ ( لقمان : ٢٥ ) وبأنه القادر على المقدورات كلها وعلى النشأة الأولى منكرين البعث ويقولون : من يحيى العظام وهي رميم، وكان عندهم من قبيل المحال الخارج عن قدرة القادر كثاني القديم، فكيف يدعونه للجماد الذي لا يوصف بالقدرة رأساً ؟ قلت : الأمر كما ذكرت، ولكنهم بادّعائهم لها الإلهية، يلزمهم أن يدعوا لها الإنشار، لأنه لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور، والإنشار من جملة المقدورات. وفيه باب من التهكم بهم والتوبيخ والتجهيل، وإشعار بأنّ ما استبعدوه من الله لا يصح استبعاده ؛ لأنّ الإلهية لما صحت صحّ معها الاقتدار على الإبداء والإعادة. ونحو قوله :﴿ مّنَ الاْرْضِ ﴾ قولك : فلان من مكة أو من المدينة، تريد : مكي أو مدني. ومعنى نسبتها إلى الأرض : الإيذان بأنها الأصنام التي تعبد في الأرض : لأنّ الآلهة على ضربين : أرضية وسماوية. ومن ذلك حديث الأمة التي قال لها رسول الله ﷺ :
( ٦٩٤ ) ( أين ربك ) ؟ فأشارت إلى السماء، فقال :( إنها مؤمنة ) لأنه فهم منها أنّ

__________


الصفحة التالية
Icon