ووضعوا بينها طعاماً خرجوا به معهم وقالوا : إلى أن نرجع بركت الآلهة على طعامنا، فذهبوا وبقي إبراهيم فنظر إلى الأصنام وكانت سبعين صنماً مصطفة، وثم صنم عظيم مستقبل الباب، وكان من ذهب وفي عينيه جوهرتان تضيئان بالليل فكسرها، كلها بفأس في يده، حتى إذا لم يبق إلا الكبير علق الفأس في عنقه، عن قتادة : قال ذلك سرا من قومه، وروي : سمعه رجل واحد ﴿ جُذَاذاً ﴾ قطاعاً، من الجذ وهو القطع. وقرىء بالكسر والفتح. وقرىء :( جَذَذَاً ) جمع جَذيذ، و ( جذذاً ) جمع جذة. وإنما استبقى الكبير لأنه غلب في ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه، لما تسامعوه من إنكاره لدينهم وسبه لآلهتهم، فيبكتهم بما أجاب به من قوله :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَاذَا فَاسْئَلُوهُمْ ﴾ وعن الكلبي ﴿ إِلَيْهِ ﴾ إلى كبيرهم. ومعنى هذا : لعلهم يرجعون إليه كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات، فيقولون له : ما لهؤلاء مكسورة ومالك صحيحاً والفأس على عاتقك ؟ قال هذا بناء على ظنه بهم، لما جرب وذاق من مكابرتهم لعقولهم واعتقادهم في آلهتهم وتعظيمهم لها. أو قاله مع علمه أنهم لا يرجعون إليه استهزاء بهم واستجهالاً، وأن قياس حال من يسجد له ويؤهله للعبادة أن يرجع إليه في حل كل مشكل. فإن قلت : فإذا رجعوا إلى الصنم بمكابرتهم لعقولهم ورسوخ الإشراك في أعراقهم، فأي فائدة دينية في رجوعهم إليه حتى يجعله إبراهيم صلوات الله عليه غرضاً ؟ قلت : إذا رجعوا إليه تبين أنه عاجز لا ينفع ولا يضر، وظهر أنهم في عبادته على جهل عظيم.
! ٧ < ﴿ قَالُواْ مَن فَعَلَ هَاذَا بِأالِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ > ٧ !
< < الأنبياء :( ٥٩ ) قالوا من فعل..... > > أي أن من فعل هذا الكسر والحطم لشديد الظلم، معدود في الظلمة : إمّا لجرأته على الآلهة الحقيقة عندهم بالتوقير والإعظام، وإمّا لأنهم رأوا إفراطاً في حطمها وتمادياً في الاستهانة بها.
! ٧ < ﴿ قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ > ٧ !
< < الأنبياء :( ٦٠ ) قالوا سمعنا فتى..... > > فإن قلت : ما حكم الفعلين بعد ﴿ سَمِعْنَا فَتًى ﴾ وأي فرق بينهما ؟ قلت : هما صفتان لفتى، إلا أن الأوّل وهو ﴿ يَذْكُرُهُمْ ﴾ لا بد منه لسمع، لأنك لا تقول : سمعت زيداً وتسكت، حتى تذكر شيئاً مما يسمع. وأمّا الثاني فليس كذلك. فإن قلت :﴿ إِبْرَاهِيمَ ﴾ ما هو ؟ قلت : قيل هو خبر مبتدأ محذوف، أو منادى. والصحيح أنه فاعل يقال، لأن المراد الاسم لا المسمى ﴿ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ ﴾ في محل الحال، بمعنى معايناً مشاهداً، أي : بمرأى منهم ومنظر. فإن قلت : فما معنى الاستعلاء في على ؟ قلت : هو وارد على طريق

__________


الصفحة التالية
Icon