يكون علمه في القلب، فيترجم عنه اللسان. وهذا الإفك ليس إلاّ قولاً يجري على ألسنتكم ويدور في أفواهكم من غير ترجمة عن علم به في القلب، كقوله تعالى :﴿ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ ﴾ ( آل عمران : ١٦٧ )، أي : تحسبونه صغيرة وهو عند الله كبيرة وموجبة. وعن بعضهم أنه جزع عند الموت، فقيل له : فقال : أخاف ذنباً لم يكن مني على بال وهو عند الله عظيم. وفي كلام بعضهم : لا تقولنّ لشيء من سيئاتك حقير، فلعله عند الله نخلة وهو عندك نقير. وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام وعلق مسّ العذاب العظيم بها، أحدها : تلقى الإفك بألسنتهم، وذلك أن الرجل كان يلقى الرجل فيقول له : ما وراءك ؟ فيحدثه بحديث الإفك حتى شاع وانتشر ؛ فلم يبق بيت ولا نادَ إلاّ طارَ فيه. والثاني : التكلم مما لا علم لهم به. والثالث : استصغارهم لذلك وهو عظيمة من العظائم.
! ٧ < ﴿ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَاذَا سُبْحَانَكَ هَاذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ > ٧ !
< < النور :( ١٦ ) ولولا إذ سمعتموه..... > > فإن قلت : كيف جاز الفصل بين لولا وقلتم ؟ قلت : للظروف شأن وهو تنزلها من الأشياء منزلة أنفسها لوقوعها فيها وأنها لا تنفك عنها، فلذلك يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها. فإن قلت : فأيّ فائدة في تقديم الظرف حتى أوقع فاصلاً ؟ قلت : الفائدة فيه بيان أنه كان الواجب عليهم أن يتفادوا أوّل ما سمعوا بالإفك عن التكلم به، فلما كان ذكر الوقت أهمّ وجب التقديم. فإن قلت : فما معنى يكون، والكلام بدونه متلئب لو قيل : ما لنا أن نتكلم بهذا ؟ قلت : معناه معنى : ينبغي، ويصحّ أي : ما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا، وما يصحّ لنا. ونحوه : ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق. و ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ للتعحب من عظم الأمر. فإن قلت : ما معنى التعجب في كلمة التسبيح ؟ قلت : الأصل في ذلك