تقدر أن تبرح. يقال : فلان مليّ بكذا، إذا كان مطيقاً له مضطلعاً به. فإن قلت : علام عطف ﴿ وَاهْجُرْنِى ﴾ ؟ قلت : على معطوف عليه محذوف يدل عليه ﴿ لارْجُمَنَّكَ ﴾ أي فاحذرني واهجرني، لأن ﴿ لارْجُمَنَّكَ ﴾ تهديد وتقريع.
! ٧ < ﴿ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّى عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّى شَقِيًّا ﴾ > ٧ !
< < مريم :( ٤٧ - ٤٨ ) قال سلام عليك..... > > ﴿ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ﴾ سلام توديع ومتاركة، كقوله تعالى :﴿ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ ﴾ ( القصص : ٥٥ ) وقوله :﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً ﴾ ( الفرقان : ٦٣ ) وهذا دليل على جواز متاركة المنصوح والحال هذه. ويجوز أن يكون قد دعا له بالسلامة استمالة له. ألا ترى أنه وعده الاستغفار. فإن قلت : كيف جاز له أن يستغفر للكافر وأن يعده ذلك ؟ قلت : قالوا أراد اشتراط التوبة عن الكفر، كما ترد الأوامر والنواهي الشرعية على الكفار والمراد اشتراط الإيمان، وكما يؤمر المحدث والفقير بالصلاة والزكاة ويراد اشتراط الوضوء والنصاب. وقالوا : إنما استغفر له بقوله :﴿ وَاغْفِرْ لاِبِى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالّينَ ﴾ ( الشعراء : ٨٦ ) لأنه وعده أن يؤمن. واستشهدوا عليه بقوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْراهِيمَ لاِبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ ﴾ ( التوبة : ١١٤ ) ولقائل أن يقول : إنّ الذي منع من الاستغفار للكافر إنما هو السمع، فأمّا القضية العقلية فلا تأباه، فيجوز أن يكون الوعد بالاستغفار والوفاء به قبل ورود السمع، بناء على قضية العقل، والذي يدل على صحته قوله تعالى :﴿ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لاِبِيهِ لاَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ﴾ ( الممتحنة : ٤ ) فلو كان شارطاً للإيمان لم يكن مستنكراً ومستثنى عما وجبت فيه الأسوة. وأمّا ( عن موعدة وعدها إياه ) فالواعد إبراهيم لا آزر، أي : ما قال :( واغفر لأبي ) إلا عن قوله :( لأستغفرنّ لك ) وتشهد له قراءة حماد الراوية : وعدها أباه. والله أعلم ﴿ حَفِيّاً ﴾ الحفيّ : البليغ في البر والإلطاف، حفي به وتحفى به ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ ﴾ أراد بالاعتزال المهاجرة إلى الشام. المراد بالدعاء العبادة، لأنه منها ومن وسائطها. ومنه قوله ﷺ :