ذلك، وخافوا أن يلحقهم فيه حرج ؛ وكرهوا أن يكون أكلاً بغير حق ؛ لقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ﴾ ( البقرة : ١٨٨ ) فقيل لهم : ليس على الضعفاء ولا على أنفسكم ؛ يعني : عليكم وعلى من في مثل حالكم من المؤمنين حرج في ذلك. وعن عكرمة : كانت الأنصار في أنفسها قزازة. فكانت لا تأكل من هذه البيوت إذا استغنوا، وقيل : كان هؤلاء يتوقون مجالسة الناس ومؤاكلتهم لما عسى يؤدي إلى الكراهة من قبلهم، ولأنّ الأعمى ربما سبقت يده إلى ما سبقت عين أكيله وهو لا يشعر، والأعرج يتفسح في مجلسه ويأخذ أكثر من موضعه فيضيق على جليسه، والمريض لا يخلو من رائحة تؤذي أو جرح يبض أو أنف يذن ونحو ذلك. وقيل : كانوا يخرجون إلى الغزو ويخلفون الضعفاء في بيوتهم، ويدفعون إليهم المفاتيح، ويأذنون لهم أن يأكلوا من بيوتهم فكانوا يتحرّجون. حكى عن الحرث بن عمرو أنه خرج غازياً وخلف مالك بن زيد في بيته وماله، فلما رجع رآه مجهوداً فقال : ما أصابك ؟ قال : لم يكن عندي شيء، ولم يحلّ لي أن آكل من مالك، فقيل : ليس على هؤلاء الضعفاء حرج فيما تحرجوا عنه، ولا عليكم أن تأكلوا من هذه البيوت، وهذا كلام صحيح، وكذلك إذا فسر بأن هؤلاء ليس عليهم حرج في القعود عن الغزو، ولا عليكم أن تأكلوا من البيوت المذكورة، لالتقاء الطائفتين في أن كل واحدة منهما منفي عنها الحرج. ومثال هذا أن يستفتيك مسافر عن الإفطار في رمضان. وحاج مفرد عن تقديم الحلق على النحر، فقلت : ليس على المسافر حرج أن يفطر، ولا عليك يا حاج أن تقدّم الحلق على النحر، فإن قلت : هلا ذكر الأولاد ؛ قلت : دخل ذكرهم تحت قوله :﴿ مِن بُيُوتِكُمْ ﴾ لأن ولد الرجل بعضه، وحكمه حكم نفسه. وفي الحديث :
( ٧٦٨ ) ( إنّ أطيبَ ما يأكلُ المرء مِنْ كَسبهِ ) ومعنى ﴿ مِن بُيُوتِكُمْ ﴾ من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم ؛ ولأنّ الولدَ أقرب ممن عدّد من القرابات، فإذا كان سبب الرخصة هو القرابة : كان الذي هو أقرب منهم أولى. فإن قلت : ما معنى { أَوْ مَا