( ٧٧١ ) ( لا تراءى ناراهُمَا ) كأن بعضها يرى بعضاً على سبيل المجاز. والمعنى : إذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد سمعوا صوت غليانها. وشبه ذلك بصوت المتغيظ والزافر. ويجوز أن يراد : إذا رأتهم زبانيتها تغيظوا وزفروا غضباً على الكفار وشهوة للانتقام منهم. الكرب مع الضيق، كما أن الروح مع السعة، ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها السماوات والأرض. وجاء في الأحاديث : أن لكل مؤمن من القصور والجنان كذا وكذا. ولقد جمع الله على أهل النار أنواع التضييق والإرهاق، حيث ألقاهم في مكان ضيق يتراصون فيه تراصاً، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره أنه يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح، وهم مع ذلك الضيق مسلسلون مقرنون في السلاسل، قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الجوامع. وقيل : يقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة وفي أرجلهم الأصفاد. والثبور : الهلاك، ودعاؤه أن يقال : واثبوراه، أي : تعال يا ثبور فهذا حينك وزمانك ﴿ لاَّ تَدْعُواْ ﴾ أي يقال لهم ذلك : أو هم أحقاء بأن يقال بهم، وإن لم يكن ثمة قول ومعنى ﴿ وَادْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً ﴾ أنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحداً، إنما هو ثبور كثير إما لأن العذاب أنواع وألوان كل نوع منها ثبور لشدّته وفظاعته، أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها، فلا غاية لهلاكهم.
! ٧ < ﴿ قُلْ أَذالِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِى وَعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً * لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً ﴾ > ٧ !
< < الفرقان :( ١٥ ) قل أذلك خير..... > > الراجح إلى الموصولين محذوف، يعني : وعدها المتقون وما يشاؤونه. وإنما قيل : كانت، لأن ما وعده الله وحده فهو في تحققه كأنه قد كان. أو كان مكتوباً في اللوح قبل أن برأهم بأزمنة متطاولة : أن الجنة جزاؤهم ومصيرهم. فإن قلت : ما معنى قوله :﴿ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيراً ﴾ ؟ قلت : هو كقوله :﴿ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً ﴾ ( الكهف : ٣١ ) فمدح الثواب ومكانه، كما قال :﴿ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا ﴾ ( الكهف : ٢٩ ) فذم العقاب ومكانه لأنّ النعيم لا يتمّ للمتنعم إلاّ بطيب المكان وسعته وموافقته للمراد

__________


الصفحة التالية
Icon