هذه المفاجأة بالاحتجاج والإلزام حسنة رائعة، وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وحذف القول ونحوها قوله تعالى :﴿ الْمَصِيرُ يََأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مَّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ ﴾ ( المائدة : ١٩ ) وقول القائل :% ( قَالُوا خُرَاسَانُ أَقْصَى مَا يُرَادُ بِنَا % ثُمَّ الْقُفُولُ فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَا ) %
وقرىء :( يقولون ) بالتاء والياء. فمعنى من قرأ بالتاء فقد كذبوكم بقولكم أنهم آلهة. ومعنى من قرأ بالياء : فقد كذبوكم بقولهم :﴿ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِى لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء ﴾ ( الفرقان : ١٨ ). فإن قلت : هل يختلف حكم الباء مع التاء والياء ؟ قلت : إي والله، وهي مع التاء كقوله :﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِالْحَقّ ﴾ ( ق : ٥ ) والجار والمجرور بدل من الضمير، كأنه قيل : فقد كذبوا بما تقولون : وهي مع الياء كقولك : كتبت بالقلم. وقرىء :( يستطيعون ) بالتاء والياء أيضاً. يعني : فما تستطيعون أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم. وقيل : الصرف : التوبة وقيل : الحيلة، من قولهم : إنه ليتصرف، أي : يحتال أو فما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب، أو أن يحتالوا لكم. الخطاب على العموم للمكلفين، والعذاب الكبير لاحقٌ بكل من ظلم، والكافر ظالم : لقوله :﴿ إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ ( لقمان : ١٣ ) والفاسق ظالم. لقوله :﴿ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ ( الحجرات : ١١ ). وقرىء :( يذقه ) بالياء. وفيه ضمير الله، أو ضمير مصدر يظلم.
! ٧ < ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى الاٌّ سْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ﴾ > ٧ !
< < الفرقان :( ٢٠ ) وما أرسلنا قبلك..... > > الجملة بعد ( إلاّ ) صفة لموصوف محذوف. والمعنى : وما أرسلنا قبلك أحداً من المرسلين إلاّ آكلين وماشين. وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور. أعني من المرسلين ونحوه قوله عزّ من قائل :﴿ وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ﴾ ( الصافات : ١٦٤ ) على معنى : وما منا أحد. وقرىء :( ويمشون ) على البناء للمفعول، أي : تمشيهم حوائجهم أو الناس. ولو قرىء :( يمشون )، لكان أوجه لولا الرواية. وقيل : هو احتجاج على من قال :﴿ مَا لِهَاذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى الاْسْوَاقِ ﴾ ( الفرقان : ٧ ). ﴿ فِتْنَةً ﴾ أي محنة وابتلاء. وهذا تصبير لرسول الله ﷺ على ما قالوه واستبدعوه، من أكله الطعام ومشيه في الأسواق بعد ما احتج عليهم بسائر الرسل، يقول : وجرت عادتي وموجب

__________


الصفحة التالية
Icon