وذلك البعض كثير. فإن قلت : هل يكفر من ينسب الأمطار إلى الأنواء ؟ قلت : إن كان لا يراها إلاّ من الأنواء ويجحد أن تكون هي والأنواء من خلق الله : فهو كافر. وإن كان يرى أن الله خالقها وقد نصب الأنواء دلائل وأمارات عليها : لم يكفر.
! ٧ < ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً * فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً ﴾ > ٧ !
< < الفرقان :( ٥١ ) ولو شئنا لبعثنا..... > > يقول لرسوله ﷺ ﴿ وَلَوْ شِئْنَا ﴾ لخففنا عنك أعباء نذارة جميع القرى. و ﴿ لَبَعَثْنَا فِى كُلّ قَرْيَةٍ ﴾ نبياً ينذرها. وإنما قصرنا الأمر عليك وعظمناك به، وأجللناك وفضلناك على سائر الرسل، فقابل ذلك بالتشدد والتصبر ﴿ فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ ﴾ فيما يريدونك عليه، وإنما أراد بهذا تهييجه وتهييج المؤمنين وتحريكهم. والضمير للقرآن أو لترك الطاعة الذي يدلّ عليه :﴿ فَلاَ تُطِعِ ﴾ والمراد : أن الكفار يجدون ويجتهدون في توهين أمرك، فقابلهم من جدّك واجتهادك وعضك على نواجذك بما تغلبهم به وتعلوهم، وجعله جهاداً كبيراً لما يحتمل فيه من المشاق العظام. ويجوز أن يرجع الضمير في ﴿ بِهِ جِهَاداً كَبيراً ﴾ إلى ما دلّ عليه :﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً ﴾ من كونه نذير كافة القرى، لأنه لو بعث في كل قرية نذيراً لوجبت على كل نذير مجاهدة قريته، فاجتمعت على رسول الله ﷺ تلك المجاهدات كلها، فكبر جهاده من أجل ذلك وعظم، فقال له :﴿ وَجَاهِدْهُمْ ﴾ بسبب كونك نذير كافة القرى ﴿ جِهَاداً كَبيراً ﴾ جامعاً لكل مجاهدة.
! ٧ < ﴿ وَهُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَاذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَاذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ > ٧ !
< < الفرقان :( ٥٣ ) وهو الذي مرج..... > > سمى الماءين الكثيرين الواسعين : بحرين، والفرات : البليغ العذوبة حتى يضرب إلى الحلاوة. والأجاج : نقيضه. ومرجعهما : خلاهما متجاورين متلاصقين، وهو بقدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج. وهذا من عظيم اقتداره. وفي كلام بعضهم : وبحران : أحدهما مع الآخر ممروج، وماء العذب منهما بالأجاج ممزوج ﴿ بَرْزَخاً ﴾ حائلاً من قدرته، كقوله تعالى :﴿ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ ( الرعد : ٢ )، ( لقمان : ١٠ ) يريد بغير عمد مرئية، وهو قدرته. وقرىء :( ملح ) على فعل. وقيل : كأنه حذف من مالح تخفيفاً، كما قال : وصلياناً برداً، يريد : بارداً. فإن قلت :﴿ وَحِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ ما معناه ؟ قلت : هي الكلمة التي يقولها المتعوذ ؛ وقد فسرناها، وهي ههنا واقعة على سبيل المجاز، كأن كل واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه ويقول له : حجراً محجوراً، كما قال ﴿ لاَّ يَبْغِيَانِ ﴾ ( الرحمان : ٢٠ ) أي لا يبغي أحدهما على صاحبه بالممازجة، فانتفاء البغي ثمة كالتعوذ

__________


الصفحة التالية
Icon