عاصم من يريد أن يستنبئه من كل كبيرة ومن بعض الصغائر، فما بال الكفر. ويجوز أن يكون قوله :﴿ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ حكماً عليه بأنه من الكافرين بالنعم، ومن كانت عادته كفران النعم لم يكن قتل خواص المنعم عليه بدعا منه. أو بأنه من الكافرين لفرعون وإلهيته. أو من الذين كانوا يكفرون في دينهم، فقد كانت لهم آلهة يعبدونهم، يشهد لذلك قوله تعالى :﴿ وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ ﴾ ( الأعراف : ١٢٧ ) وقرىء :( إلهتك )، فأجابه موسى بأن تلك الفعلة إنما فرطت منه وهو ﴿ مِنَ الضَّالّينَ ﴾ أي الجاهلين. وقراءة ابن مسعود :( من الجاهلين )، مفسرة. والمعنى : من الفاعلين فعل أولى الجهل والسفه. كما قال يوسف لإخوته :﴿ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ﴾ ( يوسف : ٨٩ ) أو المخطئين كمن يقتل خطأ من غير تعمد للقتل. أو الذاهبين عن الصواب. أو الناسين، من قوله :﴿ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الاْخْرَى ﴾ ( البقرة : ٢٨٢ ) وكذب فرعون ودفع الوصف بالكفر عن نفسه، وبرّأ ساحته، بأن وضع الضالين موضع الكافرين رَبئاً بمحل من رشح للنبوّة عن تلك الصفة، ثم كرّ على امتنانه عليه بالتربية، فأبطله من أصله واستأصله من سنخه، وأبى أن يسمى نعمته إلا نقمة. حيث بين أن حقيقة إنعامه عليه تعبيد بني إسرائيل ؛ لأنّ تعبيدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته، فكأنه امتن عليه بتعبيد قومه إذا حققت، وتعبيدهم : تذليلهم واتخاذهم عبيداً. يقال : عبدت الرجل وأعبدته، إذا اتخذته عبداً. قال :% ( عَلاَمَ يُعْبُدُنِي قَوْمِي وَقَدْ كَثُرَت % فِيهِمْ أَبَاعِرُ مَا شَاءُوا وَعُبْدَانُ ) %
فإن قلت : إذا جواب وجزاء معاً، والكلام وقع جواباً لفرعون، فكيف وقع جزاء قلت : قول فرعون :﴿ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ﴾ فيه معنى : إنك جازيت نعمتي بما فعلت، فقال له موسى : نعم فعلتها مجازياً لك، تسليماً لقوله، لأنّ نعمته كانت عنده جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء. فإن قلت : لم جمع الضمير في منكم وخفتكم ؟ مع إفراده في تمنها وعبدت ؟ قلت : الخوف والفرار لم يكونا منه وحده، ولكن منه ومن ملئه المؤتمرين بقتله، بدليل قوله :﴿ إِنَّ الْمَلاَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ﴾ ( القصص : ٢٠ ) وأما الامتنان فمنه وحده. وكذلك التعبيد. فإن قلت :﴿ تِلْكَ ﴾ إشارة إلى ماذا، ﴿ أَنْ عَبَّدتَّ ﴾ الرفع عطف بيان لتلك، ونظيره قوله تعالى :﴿ وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الاْمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآْء مَقْطُوعٌ ﴾ ( الحجر : ٦٦ ) ﴿ أَنْ عَبَّدتَّ ﴾ ما محلها من الإعراف ؟ قلت : تلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة، لا يدري ما هي إلا

__________


الصفحة التالية
Icon