فإن قلت : ما معنى قوله :﴿ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ ﴾ وأين عن فرعون وملئه الإيقان ؟ قلت : معناه إن كان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدي إليه النظر الصحيح نفعكم هذا الجواب، وإلا لم ينفع. أو إن كنتم موقنين بشيء قط فهذا أولى ما توقنون به، لظهوره وإنارة دليله.
! ٧ < ﴿ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ الاٌّ وَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ > ٧ !
< < الشعراء :( ٢٥ ) قال لمن حوله..... > > فإن قلت : ومن كان حوله ؟ قلت : أشراف قومه قيل : كانوا خمسمائة رجل عليهم الأساور وكانت للملوك خاصة. فإن قلت : ذكر السموات والأرض وما بينهما قد استوعب به الخلائق كلها، فما معنى ذكرهم وذكر آبائهم بعد ذلك وذكر المشرق والمغرب ؟ قلت : قد عمم أوّلاً، ثم خصص من العام للبيان أنفسهم وآباءهم. لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه، وما شاهد وعاين من الدلائل على الصانع، والناقل من هيئة إلى هيئة وحال إلى حال من وقت ميلاده إلى وقت وفاته، ثم خصص المشرق والمغرب، لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم في فصول السنة وحساب مستو من أظهر ما استدل به ؛ ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الله، عن الاحتجاج بالإحياء والإماتة على نمروذ بن كنعان، فبهت الذي كفر. وقرىء :( رب المشارق والمغارب ). الذي أرسل إليكم بفتح الهمزة. فإن قلت : كيف قال أوّلاً :﴿ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ ﴾ وآخراً ﴿ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ ؟ قلت : لاين أوّلاً، فلما رأى منهم شدّة الشكيمة في العناد وقلة الإصغاء إلى عرض الحجج خاشن وعارض : إنّ رسولكم لمجنون، بقوله :﴿ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾.
! ٧ < ﴿ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَاهَاً غَيْرِى لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ > ٧ !
< < الشعراء :( ٢٩ ) قال لئن اتخذت..... > > فإن قلت : ألم يكن : لأسجننك، أخصر من ﴿ لاجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ ومؤدياً مؤداه ؟ قلت : أما أخصر فنعم. وأما مؤدّ مؤدّاه فلا ؛ لأن معناه : لأجعلنك واحداً ممن عرفت حالهم في سجوني. وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوّة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فرداً لا يبصر فيها ولا يسمع، فكأن ذلك أشدّ من القتل وأشدّ.

__________


الصفحة التالية
Icon