للعدوّ، فاجتنبتها وآثرت عبادة من الخير كله منه، وأراهم بذلك أنها نصيحة نصح بها نفسه أوّلاً وبني عليها تدبير أمره، لينظروا فيقولوا : ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه، وما أراد لنا إلا ما أراد لروحه، ليكون ادعى لهم إلى القبول، وأبعث على الاستماع منه. ولو قال : فإنه عدوّ لكم لم يكن بتلك المثابة، ولأنّه دخل في باب من التعريض، وقد يبلغ التعريض للنصوح ما لا يبلغه التصريح ؛ لأنه يتأمّل فيه، فربما قاده التأمّل إلى التقبل. ومنه ما يحكى عن الشافعيّ رضي الله تعالى عنه أنّ رجلاً واجهه بشيء فقال : لو كنت بحيث أنت، لاحتجت إلى أدب، وسمع رجل ناساً يتحدثون في الحجر فقال : ما هو ببيتي ولا بيتكم. والعدوّ والصديق : يجيئان في معنى الوحدة والجماعة. قال :% ( وَقَوْمٍ عَلَيَّ ذَوِي مِئْرَةٍ % أَرَاهُمْ عَدُوًّا وَكَانُوا صَدِيقَا ) %
ومنه قوله تعالى :﴿ وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ﴾ ( الكهف : ٥٠ ) شبها بالمصادر للموازنة، كالقبول والولوع، والحنين والصهيل ﴿ إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ استثناء منقطع، كأنه قال : ولكن رب العالمين ﴿ فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ يريد أنه حين أتمّ خلقه ونفخ فيه الروح، عقب ذلك هدايته المتصلة التي لا تنقطع إلى كلّ ما يصلحه ويعنيه، وإلا فمن هداه إلى أن يغتذي بالدم في البطن امتصاصاً، ومن هداه إلى معرفة الثدي عند الولادة، وإلى معرفة مكانه، ومن هداه لكيفية الارتضاع، إلى غير ذلك من هدايات المعاش والمعاد، وإنما قال :﴿ مَرْضَاتِ ﴾ دون ( أمرضني ) لأنّ كثيراً من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه