يشعرون بالبعث الكائن ووقته الذي يكون فيه، وكان هذا بياناً لعجزهم ووصفاً لقصور علمهم : وصل به أن عندهم عجزا أبلغ منه، وهو أنهم يقولون للكائن الذي لا بدّ أن يكون وهو وقت جزاء أعمالهم لا يكون، مع أن عندهم أسباب معرفة كونه واستحكام العلم به. والوجه الثاني : أن وصفهم باستحكام العلم وتكامله تهكم بهم، كما تقول لأجهل الناس : ما أعلمكا على سبيل الهزؤ، وذلك حيث شكوا وعموا عن إثباته الذي الطريق إلى علمه مسلوك، فضلاً أن يعرفوا وقت كونه الذي لا طريق إلى معرفته : وفي : أدرك علمهم، وادارك علمهم : وجه آخر، وهو أن يكون أدرك بمعنى انتهى وفنى، من قولك : أدركت الثمرة ؛ لأن تلك غايتها التي عندها تعدم : وقد فسره الحسن رضي الله عنه بإضمحل علمهم وتدارك، من تدارك بنو فلان : إذا تتابعوا في الهلاك فإن قلت، فما وجه قراءة من قرأ : بل أأدرك على الاستفهام ؟ قلت : هو استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم، وكذلك من قرأ : أم أدرك. وأم تدارك ؛ لأنها أم التي بمعنى بل والهمزة. فإن قلت : فمن قرأ : بلى أدرك، وبلى أأدرك ؟ قلت : لما جاء ببلى، بعد قوله :﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ كان معناه : بلى يشعرون، ثم فسر الشعور بقوله : أدرك علمهم في الآخرة على سبيل التهكم الذي معناه المبالغة في نفي العلم، فكأنه قال : شعورهم بوقت الآخرة أنهم لا يعلمون كونها، فيرجع إلى نفي الشعور على أبلغ ما يكون. وأما من قرأ : بلى أأدرك ؟ على الاستفهام فمعناه : بل يشعرون متى يبعثون، ثم أنكر علمهم بكونها، وإذا أنكر علمهم بكونها لم يتحصل لهم شعور بوقت كونها ؛ لأنّ العلم بوقت الكائن تابع للعلم بكون الكائن ﴿ فِى الاْخِرَةِ ﴾ في شأن الآخرة ومعناه. فإن قلت ؛ هذه الإضرابات الثلاث ما معناه ؟ قلت : ما هي إلا تنزيل لأحوالهم : وصفهم أولاً بأنهم لا يشعرون وقت البعث، ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه والإزالة مستطاعة. ألا ترى أن من لم يسمع اختلاف المذاهب وتضليل أربابها بعضهم لبعض : كان أمره أهون ممن سمع بها وهو جاثم لا يشخص به طلب التمييز بين الحق والباطل، ثم بما هو أسوأ حالاً وهو العمى، وأن يكون مثل البهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه، لا يخطر بباله حقاً ولا باطلاً. ولا يفكر في عاقبة. وقد جعل الآخرة مبدأ عما هم ومنشأه فلذلك عدّاه بمن دون عن ؛ لأنّ الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يتبصرون.
! ٧ < ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَءِذَا كُنَّا تُرَاباً وَءَابَآؤُنَآ أَءِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَاذَا نَحْنُ وَءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَاذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الاٌّ وَّلِينَ ﴾ > ٧ { < النمل :( ٦٧ ) وقال الذين كفروا..... > >

__________


الصفحة التالية
Icon