قد اختلفوا في المسيح فتحزبوا فيه أحزاباً، ووقع بينهم التناكر في أشياء كثيرة حتى لعن بعضهم بعضها، وقد نزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه لو أنصفوا وأخذوا به وأسلموا، يريد : اليهود والنصارى ﴿ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ لمن أنصف منهم وآمن، أي : من بني إسرائيل. أو منهم ومن غيرهم.
! ٧ < ﴿ إِن رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾ > ٧ !
< < النمل :( ٧٨ ) إن ربك يقضي..... > > ﴿بَيْنَهُمْ ﴾ بين من آمن بالقرآن ومن كفر به. فإن قلت : ما معنى يقضي بحكمه ؟ ولا يقال زيد يضرب بضربه ويمنع بمنعه ؟ قلت. معناه بما يحكم به وهو عدله، لأنه لا يقضي إلا بالعدل، فسمى المحكوم به حكماً. أو أراد بحكمته وتدل عليه قراءة من قرأ بحكمه : جمع حكمة. ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ فلا يردّ قضاؤه ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بمن يقضي له وبمن يقضي عليه، أو العزيز في انتقامه من المبطلين، العليم بالفصل بينهم وبين المحقين.
! ٧ < ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ * إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ * وَمَآ أَنتَ بِهَادِى الْعُمْىِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِأايَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴾ > ٧ !
< < النمل :( ٧٩ ) فتوكل على الله..... > > أمره بالتوكل على الله وقلة المبالاة بأعداء الدين، وعلل التوكل بأنه على الحق الأبلج الذي لا يتعلق به الشكّ والظنّ. وفيه بيان أنّ صاحب الحق حقيق بالوثوق بصنع الله وبنصرته، وأن مثله لا يخذل. فإن قلت :﴿ إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾ يشبه أن يكون تعليلاً آخر للتوكل، فما وجه ذلك ؟ قلت : وجهه أن الأمر بالتوكل جعل مسبباً عما كان يغيظ رسول الله ﷺ من جهة المشركين وأهل الكتاب : من ترك اتباعه وتشييع ذلك بالأذى والعداوة، فلاءم ذلك أن يعلل توكل متوكل مثله، بأن اتباعهم أمر قد يئس منه، فلم يبق إلا الاستنصار عليهم لعداوتهم واستكفاء شرورهم وأذاهم، وشبهوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس، لأنهم إذا سمعوا ما يتلى عليهم من آيات الله فكانوا أقماع القول لا تعيه آذانهم وكان سماعهم كلا سماع : كانت حالهم لانتفاء جدوى السماع كحال الموتى الذين فقدوا مصحح السماع ؛ وكذلك تشبيههم بالصمّ الذين ينعق بهم فلا يسمعون. وشبهوا بالعمى حيث يضلون الطريق ولا يقدر أحد أن ينزع ذلك عنهم، وأن يجعلهم هداة بصراء إلا الله عز وجل. فإن قلت : ما معنى قوله :﴿ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ ﴾ ؟ قلت : هو تأكيد لحال الأصم، لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن يولي عنه مدبراً كان أبعد عن إدراك صوته. وقرىء :( ولا يسمع الصمّ ) ( وما أنت بهاد العمى )، على الأصل. وتهدي العمى. وعن ابن مسعود :( وما أن تهدي العمى )، وهداه عن الضلال. كقولك :