حتى لا يضطرب ولا يرهب، استعارة من فعل الطائر ؛ لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما. وإلا فجناحاه مضمومتان إليه مشمران. ومنه ما يحكى عن عمر بن عبد العزيز أنّ كاتباً له كان يكتب بين يديه، فانفلتت منه فلتة ريح، فخجل وانكسر، فقام وضرب بقلمه الأرض، فقال له عمر : خذ قلمك، واضمم إليك جناحك، وليفرخ روعك، فإني ما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي. ومعنى قوله :( من الرهب ) من أجل الرهب، أي : إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك : جعل الرهب الذي كان يصيبه سبباً وعلة فيما أمر به من ضم جناحه إليه. ومعنى :﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ﴾، وقوله :﴿ اسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ ﴾ على أحد التفسيرين : واحد. ولكن خولف بين العبارتين، وإنما كرّر المعنى الواحد لاختلاف الغرضين، وذلك أن الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء وفي الثاني : إخفاء الرهب. فإن قلت قد جعل الجناح وهو اليد في أحد الموضعين مضموماً وفي الآخر مضموماً إليه، وذلك قوله :﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ﴾ وقوله :﴿ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ ﴾ ( طه : ٢٢ ) فما التوفيق بينهما ؟ قلت : المراد بالجناح المضموم. هو اليد اليمنى، وبالمضموم إليه : اليد اليسرى وكلّ واحدة من يمنى اليدين ويسراهما : جناح. ومن بدع التفاسير : أنّ الرهب : الكم، بلغة حمير وأنهم يقولون : أعطني مما في رهبك، وليت شعري كيف صحته في اللغة ؟ وهل سمع من الأثبات الثقات الذين ترتضي عربيتهم ؟ ثم ليت شعري كيف موقعه في الآية ؟ وكيف تطبيقه المفصل كسائر كلمات التنزيل ؟ على أن موسى عليه السلام ما كان علية ليلة المناجاة إلا زرمانقة من صوف لا كمي لها ﴿ فَذَانِكَ ﴾ قرىء مخففاً ومشدّداً، فالمخفف مثنى ذاك. والمشدّد مثنى ذلك، ﴿ بُرْهَانَ ﴾ حجتان بينتان نيرتان. فإن قلت : لم سميت الحجة برهانا ؟ قلت : لبياضها وإنارتها من قولهم للمرأة البيضاء. برهرهة، بتكرير العين واللام معا. والدليل على زيادة النون قولهم : أبره الرجل، إذا جاء بالبرهان. ونظيره تسميتهم إياها سلطان من السليط وهو الزيت، لإنارتها.
! ٧ < ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * وَأَخِى هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّى لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِى إِنِّى أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴾ > ٧ !
< < القصص :( ٣٣ ) قال رب إني..... > > يقال : ردأته : أعنته. والردء : اسم ما يعان به، فعل بمعنى مفعول كما أن الدفء

__________


الصفحة التالية
Icon