تعليلين. وتقول أيضاً : حسبت خروجه لمخافة الشر، وظننت ضربه للتأديب، فتجعلهما مفعولين كما جعلتهما مبتدأ وخبراً. والفتنة : الامتحان بشدائد التكليف : من مفارقة الأوطان، ومجاهدة الأعداء، وسائر الطاعات الشاقة، وهجر الشهوات والملاذ، وبالفقر ؛ والقحط، وأنواع المصائب في الأنفس والأموال، وبمصابرة الكفار على أذاهم وكيدهم وضرارهم. والمعنى : أحسب الذين أجروا كلمة الشهادة على ألسنتهم وأظهروا القول بالإيمان : أنهم يتركون بذلك غير ممتحنين، بل يمحنهم الله بضروب المحن، حتى يبلو صبرهم، وثبات أقدامهم، وصحة عقائدهم، ونصوع نياتهم، ليتميز المخلص من غير المخلص، والراسخ في الدين من المضطرب، والمتمكن من العابد على حرف، كما قال :﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ ﴾ ( آل عمران : ١٨٦ ) وروي أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله ﷺ قد جزعوا من أذى المشركين. وقيل في عمار بن ياسر : وكان يعذب في الله. وقيل : في ناس أسلموا بمكة، فكتب إليهم المهاجرون : لا يقبل منكم إسلامكم حتى تهاجروا، فخرجوا فتبعهم المشركون فردّوهم، فلما نزلت كتبوا بها إليهم ؛ فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا. وقيل : في مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أوّل قتيل من المسلمين يوم بدر، رماه عامر بن الحضرمي فقال رسول الله ﷺ :
( ٨٢١ ) ( سيد الشهداء مهجع، وهو أول من يدعي إلى باب الجنة من هذه الأمة ) فجزع عليه أبواه وامرأته ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا ﴾ موصول بأحسب أو بلا يفتنون، كقولك : ألا يمتحن فلان وقد امتحن من هو خير منه، يعني : أن أتباع الأنبياء عليهم السلام قبلهم، قد أصابهم من الفتن والمحن نحو ما أصابهم. أو ما هو أشدّ منه فصبروا، كما قال :﴿ وَكَأَيّن مّن نَّبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ ﴾ الآية ( آل عمران : ١٤٦ ) وعن النبي ﷺ :
( ٨٢٢ ) ( قد كان مَن قبلكم يؤخذ فيوضع المنشار على رأسه فيفرق فرقتين، وما

__________


الصفحة التالية
Icon