وانتزعه من أقرب شيء منكم وهي أنفسكم ولم يبعد، والثانية للتبعيض، والثالثة مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي. ومعناه : هل ترضون لأنفسكم وعبيدكم أمثالكم بشر كبشر وعبيد كعبيد أن يشارككم بعضهم ﴿ فِيمَا * رَزَقْنَاكُمْ ﴾ من الأموال وغيرها ما تكونون أنتم وهم فيه على السواء، من غير تفصلة بين حرّ وعبد : تهابون أن تستبدوا بتصرف دونهم، وأن تفتاتوا بتدبير عليهم كما يهاب بعضكم بعضاً من الأحرار، فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم، فكيف ترضون لرب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء ؟ ﴿ كَذالِكَ ﴾ أي مثل هذا التفصيل ﴿ نُفَصّلُ الآيَاتِ ﴾ أي نبينها : لأن التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها ؛ لأنه بمنزلة التصوير والتشكيل لها. ألا ترى كيف صوّر الشرك بالصورة المشوّهة ؟.
! ٧ < ﴿ بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ > ٧ !
< < الروم :( ٢٩ ) بل اتبع الذين..... > > ﴿الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ أي أشركوا، كقوله تعالى :﴿ إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾، ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ أي اتبعوا أهواءهم جاهلين لأنّ العالم إذا ركب هواه ربما ردعه علمه وكفه. وأما الجاهل فيهيم على وجهه كالبهيمة لا يكفه شيء ﴿ مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ﴾ من خذله ولم يلطف به، لعلمه أنه ممن لا لطف له، فمن يقدر على هداية مثله. وقوله :﴿ وَمَا لَهُم مّن نَّاصِرِينَ ﴾ دليل على أن المراد بالإضلال الخذلان.
! ٧ < ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ الصَّلواةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ > ٧ !
< < الروم :( ٣٠ ) فأقم وجهك للدين..... > > ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ ﴾ فقوِّم وجهك له وعدِّ له، غير ملتفت عنه يميناً ولا شمالاً، وهو تمثيل لإقباله على الدين، واستقامته عليه، وثباته، واهتمامه بأسبابه، فإنّ من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه، وسدّد إليه نظره، وقوّم له وجهه، مقبلاً به عليه. و ﴿ حَنِيفاً ﴾ حال من المأمور. أو من الدين ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ ﴾ أي الزموا فطرة الله. أو عليكم فطرة الله. وإنما أضمرته على خطاب الجماعة لقوله :﴿ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾ ومنيبين : حال من الضمير في : الزموا. وقوله :﴿ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ * وَلاَ تَكُونُواْ ﴾ معطوف على هذا الضمير. والفطرة : الخلقة. ألا ترى إلى قوله :﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ والمعنى : أنه خلقهم قابلين للتوحيد ودين الإسلام، غير نائين عنه ولا منكرين له، لكونه مجاوباً

__________


الصفحة التالية
Icon