الناس مودات القلوب، من قرابة أو صداقة أو اصطناع بمبرة أو غير ذلك، وإنما هو اختراع منه ابتداء اختصاصاً منه لأوليائه بكرامة خاصة، كما قذف في قلوب أعدائهم الرعب والهيبة إعظاماً لهم وإجلالا لمكانهم. والسين إما لأن السورة مكية وكان المؤمنون حينئذ ممقوتين بين الكفرة فوعدهم الله تعالى ذلك إذا دجا الإسلام. وإما أن يكون ذلك يوم القيامة يحببهم إلى خلقه بما يعرض من حسناتهم وينشر من ديوان أعمالهم. وروي أنّ النبيَّ ﷺ قال لعلي رضي الله عنه :
( ٦٨٠ ) ( يا عليُّ قلْ : اللهُمَّ اجعلْ لِي عندَكَ عهدَاً، واجعلْ لِي في صدورِ المؤمنينَ مودّة ) فأنزل الله هذه الآية. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : يعني يحبهم الله ويحببهم إلى خلقه. وعن رسول الله ﷺ :
( ٦٨١ ) ( يقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ يا جبريلُ قدْ أحببْتُ فلانَاً فأحبَّهُ، فيحبَّهُ جبريل، ثم ينادي في أهل السماء، إنَّ اللَّهَ قدْ أحبَّ فلانَاً فأحبُوهُ، فيحبَّهُ أهلُ السماءِ، ثمَّ يضعُ لَهُ المحبة في أهلِ الأرضِ ) وعن قتادة : ما أقبلَ العبدُ إلى اللَّهِ إلاَّ أقبلَ اللَّهُ بقلوبِ العبادِ إليه.
! ٧ < ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً * وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً ﴾ > ٧ !
< < مريم :( ٩٧ ) فإنما يسرناه بلسانك..... > > هذه خاتمة السورة ومقطعها، فكأنه قال : بلغ هذا المنزل أو بشر به وأنذر، فإنما أنزلناه ﴿ بِلَسَانِكَ ﴾ أي بلغتك وهو اللسان العربي المبين، وسهلناه وفصلناه ﴿ لِتُبَشّرَ بِهِ ﴾ وتنذر واللّد : الشداد الخصومة بالباطل، الآخذون في كل لديد ؛ أي في كل شق من المراء والجدال لفرط لجاجهم، يريد أهل مكة.
وقوله :﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا ﴾ تخويف لهم وإنذار. وقرىء ( تَحُسُّ ) من حسه إذا شعر به. ومنه الحواس والمحسوسات. وقرأ حنظلة ( تُسمع ) مضارع أسمعت. والركز : الصوت