الدين القيم ﴿ وَمِنْكَ ﴾ خصوصاً ﴿ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ﴾ وإنما فعلنا ذلك ﴿ لِّيَسْأَلَ ﴾ الله يوم القيامة عند تواقف الأشهاد المؤمنين الذين صدقوا عهدهم ووفوا به، من جملة من أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ﴿ عَن صِدْقِهِمْ ﴾ عهدهم وشهادتهم، فيشهد لهم الأنبياء بأنهم صدقوا عهدهم وشهادتهم وكانوا مؤمنين. أو ليسأل المصدقين للأنبياء عن تصديقهم. لأن من قال للصادق : صدقت، كان صادقاً في قوله. أو ليسأل الأنبياء ما الذي أجابتهم به أممهم. وتأويل مسألة الرسل : تبكيت الكافرين بهم، كقوله :﴿ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَاهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ ﴾ ( المائدة : ١١٦ ). فإن قلت : لم قدم رسول الله ﷺ على نوح فمن بعده قلت هذا العطف لبيان فضيلة الأنبياء الذين هم مشاهيرهم وذراريهم، فلما كان محمد ﷺ أفضل هؤلاء المفضلين : قدم عليهم لبيان أنه أفضلهم، ولولا ذلك لقدم من قدمه زمانه. فإن قلت : فقد قدم عليه نوح عليه السلام في الآية التي هي أخت هذه الآية، وهي قوله :﴿ شَرَعَ لَكُم مّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ ( الشورى : ١٣ ) ثم قدم على غيره. قلت : مورد هذه الآية على طريقة خلاف طريقة تلك، وذلك أنّ الله تعالى إنما أوردها لوصف دين الإسلام بالأصالة والاستقامة فكأنه قال : شرع لكم الدين الأصيل الذي بعث عليه نوح في العهد القديم، وبعث عليه محمد خاتم الأنبياء في العهد الحديث، وبعث عليه من توسط بينهما من الأنبياء المشاهير. فإن قلت : فماذا أراد بالميثاق الغليظ ؟ قلت : أراد به ذلك الميثاق بعينه. معناه : وأخذنا منهم بذلك الميثاق ميثاقاً غليظاً. والغلظ : استعارة من وصف الأجرام، والمراد : عظم الميثاق وجلالة شأنه في بابه. وقيل الميثاق الغليظ : اليمين بالله على الوفاء بما حملوا. فإن قلت : علام عطف قوله :﴿ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ ؟ قلت : على أخذنا من النبيين، لأن المعنى أن الله أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين. وأعد للكافرين عذاباً أليماً. أو على ما دل عليه ﴿ لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ ﴾ كأنه قال : فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين.

__________


الصفحة التالية
Icon