يعاتبه في نفس الأمر ولم يأمره بقمع الشهوة وكف النفس عن أن تنازع إلى زينب وتتبعها ؟ ولم يعصم نبيه ﷺ عن تعلق الهجنة به وما يعرضه للقالة ؟ قلت : كم من شيء يتحفظ منه الإنسان ويستحي من اطلاع الناس عليه، وهو في نفسه مباح متسع، وحلال مطلق، لا مقال فيه ولا عيب عند الله، وربما كان الدخول في ذلك المباح سلماً إلى حصول واجبات يعظم أثرها في الدين ويجلّ ثوابها، ولو لم يتحفظ منه لأطلق كثير من الناس فيه ألسنتهم إلاّ من أوتي فضلاً وعلماً وديناً ونظراً في حقائق الأمور ولبوبها دون قشورها. ألا ترى أنهم كانوا إذا طمعوا في بيوت رسول الله ﷺ بقوا مرتكزين في مجالسهم لا يرتمون مستأنسين بالحديث، وكان رسول الله ﷺ يؤذيه قعودهم ويضيق صدره حديثهم، والحياء يصده أن يأمرهم بالانتشار، حتى نزلت ﴿ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْىِ * مِنَ الْحَقّ ﴾ ( الأحزاب : ٥٣ ) ولو أبرز رسول الله ﷺ مكنون ضميره وأمرهم أن ينتشروا، لشقّ عليهم، ولكان بعض المقالة، فهذا من ذاك القبيل، لأن طموح قلب الإنسان إلى بعض مشتهياته من امرأة أو غيرها غير موصوف بالقبح في العقل ولا في الشرع، لأنه ليس بفعل الإنسان ولا وجوده باختياره، وتناول المباح بالطريق الشرعي ليس بقبيح أيضاً، وهو خطبة زينب ونكاحها من غير استنزال زيد عنها، ولا طلب إليه وهو أقرب منه من زرّ قميصه أن يواسيه بمفارقتها، مع قوة العلم بأن نفس زيد لم تكن من التعلق بها في شيء، بل كانت تجفوا عنها، ونفس رسول الله ﷺ متعلقة بها، ولم يكن مستنكراً عندهم أن ينزل الرجل عن امرأته لصديقه، ولا مستهجناً إذا نزل عنها أن ينكحها الآخر، فإنّ المهاجرين حين دخلوا المدينة استهم الأنصار بكل شيء، حتى إن الرجل منهم إذا كانت له امرأتان نزل عن إحداهما وأنكحها المهاجر، وإذا كان الأمر مباحاً من جميع جهاته ولم يكن فيه وجه من وجوه القبح ولا مفسدة ولا مضرّة بزيد ولا بأحد، بل كان مستجراً مصالح، ناهيك بواحدة منها أن بنت عمة رسول الله ﷺ أمنت الأيمة والضيعة ونالت الشرف وعادت أُماً من أمّهات المسلمين، إلى ما ذكر الله عزّ وجلّ من المصلحة العامّة في قوله :﴿ لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً ﴾ فبالحري أن يعاتب الله ورسوله حين كتمه وبالغ في كتمه بقوله :﴿ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ ﴾ وأن لا يرضى له إلا اتحاد الضمير والظاهر، والثبات في مواطن الحق، حتى يقتدي به المؤمنون، فلا يستحيوا من المكافحة بالحق وإن كان مراً. فإن قلت : الواو في ﴿ وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ ﴾، ﴿ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ ﴾ ما هي ؟ قلت : واو الحال، أي : تقول لزيد : أمسك عليك زوجك مخفياً في نفسك إرادة أن لا يمسكها، وتخفى خاشياً قالة الناس وتخشى الناس، حقيقاً في ذلك بأن تخشى الله، أو واو العطف، كأنه

__________


الصفحة التالية
Icon