وجلّ بأنه كما علمتم عدوّكم الذي لا عدوّ أعرق في العداوة منه، وأنتم تعاملونه معاملة من لا علم له بحاله ﴿ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً ﴾ في عقائدكم وأفعالكم. ولا يوجدن منكم إلاّ ما يدلّ على معاداته ومناصبته في سركم وجهركم. ثم لخص سر أمره وخطأ من اتبعه بأنّ غرضه الذي يؤمه في دعوة شيعته ومتبعي خطواته : هو أن يوردهم مورد الشقوة والهلاك، وأن يكونوا من أصحاب السعير. ثم كشف الغطاء وقشر اللحاء، ليقطع الأطماع الفارغة والأماني الكاذبة، فبنى الأمر كله على الإيمان والعمل وتركهما.
! ٧ < ﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءَ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ > ٧ !
< < فاطر :( ٨ ) أفمن زين له..... > > لما ذكر الفريقين الذين كفروا والذين آمنوا، قال لنبيه ﴿ أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً ﴾ يعني : أفمن زين له سوء عمله من هذين الفريقين، كمن لم يزين له، فكأن رسول الله ﷺ قال :( لا ) فقال :﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ ﴾ ومعنى تزيين العمل والإضلال واحد، وهو أن يكون العاصي على صفة لا تجدي عليه المصالح، حتى يستوجب بذلك خذلان الله تعالى وتخليته وشأنه، فعند ذلك يهيم في الضلال ويطلق آمر النهي، ويعتنق طاعة الهوى، حتى يرى القبيح حسناً والحسن قبيحاً، كأنما غلب على عقله وسلب تمييزه، ويقعد تحت قول أبي نواس :% ( اسْقِنِي حَتَّى تَرَانِي % حَسَناً عِنْدِي الْقَبِيحُ ) %
وإذا خذل الله المصممين على الكفر وخلاهم وشأنهم، فإن على الرسول أن لا يهتم بأمرهم ولا يلقي بالاً إلى ذكرهم، ولا يحزن ولا يتحسر عليهم : اقتداء بسنة الله تعالى في خذلانهم وتخليتهم. وذكر الزجاج أنّ المعنى : أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرة، فحذف الجواب لدلالة فلا تذهب نفسك عليه : أو أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله، فحذف لدلالة ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء ﴾ عليه حسرات : مفعول له يعني : فلا تهلك نفسك للحسرات. وعليهم صلة تذهب، كما تقول : هلك عليه حباً، ومات عليه حزناً. أو هو بيان للمتحسر عليه. ولا يجوز أن يتعلق بحسرات، لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته، ويجوز أن يكون حالاً كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر، كما قال جرير :