حق التأكيد أن يتبع المؤكد كقولك : أصفر فاقع، وأبيض يقق وما أشبه ذلك. قلت : وجهه أن يضمر المؤكد قبله ويكون الذي بعده تفسيراً لما أضمر، كقول النابغة :% ( وَالْمُؤْمِنُ العَائِذَاتِ الطَّيْرِ... ;
وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد، حيث يدلّ على المعنى الواحد من طريقي الإظهار والإضمار جميعاً، ولا بدّ من تقدير حذف المضاف في قوله تعالى :﴿ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ ﴾ بمعنى : ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود، حتى يؤول إلى قولك : ومن الجبال مختلف ألوانه كما قال : ثمرات مختلفاً ألوانها ﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابّ وَالاْنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ ﴾ يعني : ومنهم بعض مختلف ألوانه. وقرىء :( ألوانها )، وقرأ الزهري :( جدد )، بالضم : جمع جديدة، وهي الجدّة. يقال : جديدة وجدد وجدائد، كسفينة وسفن وسفائن. وقد فسر بها قول أبي ذؤيب يصف حمار وحش :% ( جُونُ السَّرَاةِ لَهُ جَدَائِدُ ارْبَعُ ;
وروي عنه : جدد، بفتحتين، وهو الطريق الواضح المسفر وضعه موضع الطرائق والخطوط الواضحة المنفصل بعضها من بعض. وقرىء :( والدواب ) مخففاً ونظير هذا التخفيف قراءة من قرأ :( ولا الضألين ) لأنّ كل واحد منهما فرار من التقاء الساكنين، فحرك ذاك أوّلهما، وحذف هذا أخرهما. وقوله :﴿ كَذالِكَ ﴾ أي كاختلاف الثمرات والجبال. والمراد : العلماء به الذين علموه بصفاته وعدله وتوحيده، وما يجوز عليه وما لا يجوز، فعظموه وقدروه حق قدره، وخشوه حق خشيته، ومن ازداد به علماً ازداد منه خوفاً، ومن كان علمه به أقل كان آمن. وفي الحديث :
( ٩٢٤ ) ( أَعلمُكُم بِاللَّهِ أَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً ) وعن مسروق : كفى بالمرء علماً أن

__________


الصفحة التالية
Icon