لما أمره بالذهاب إلى فروعون الطاغي لعنه الله عرف أنه كلف أمراً عظيماً وخطباً جسيماً يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلا ذو جأش رابط وصدر فسيح، فاستوهب ربه أن يشرح صدره ويفسح قلبه، ويجعله حليماً حمولاً يستقبل ما عسى يرد عليه من الشدائد التي يذهب معها صبر الصابر بجميل الصبر وحسن الثبات، وأن يسهل عليه في الجملة أمره الذي هو خلافة الله في أرضه وما يصحبها من مزاولة معاظم الشؤون ومقاساة جلائل الخطوب. فإن قلت :﴿ لِى صَدْرِى ﴾ في قوله :﴿ اشْرَحْ لِى صَدْرِى ﴾ ما جدواه والكلام بدونه مستتب ؟ قلت : قد أبهم الكلام أولاً فقيل : اشرح لي ويسر لي، فعلم أن ثم مشروحاً وميسراً، ثم بين ورفع الإبهام بذكرهما، فكان آكد لطلب الشرح والتيسير لصدره وأمره، من أن يقول : اشرح صدري ويسر أمري على الإيضاح الساذج، لأنه تكرير للمعنى الواحد من طريقي الإجمال والتفصيل. عن ابن عباس : كان في لسانه رتة لما روي من حديث الجمرة ويروي أن يده احترقت، وأن فرعون اجتهد في علاجها فلم تبرأ، ولما دعاه قال : إلى أي رب تدعوني ؟ قال : إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنها. وعن بعضهم : إنما لم تبرأ يده لئلا يدخلها مع فرعون في قصعة واحدة فتنعقد بينهما حرمة المواكلة. واختلف في زوال العقدة بكمالها فقيل : ذهب بعضها وبقي بعضها، لقوله تعالى :﴿ وَأَخِى هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً ﴾ ( القصص : ٣٤ ) وقوله تعالى :﴿ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ ﴾ ( الزخرف : ٥٢ ) وكان في لسان الحسين بن علي رضي الله عنهما رتة فقال رسول الله ﷺ :( ورثَها منْ عمِهِ مِوسَى ) وقيل : زالت بكمالها لقوله تعالى :{ قَدْ أُوتِيتَ

__________


الصفحة التالية
Icon