أن لا يقدّر شيء، وكأنه قيل : أنا حافظ لكما وناصر سامع مبصر. وإذا كان الحافظ والناصر كذلك، تمّ الحفظ وصحت النصرة، وذهبت المبالاة بالعدوّ. كانت بنو إسرائيل في ملكة فرعون والقبط، يعذبونهم بتكليف الأعمال الصعبة : من الحفر والبناء ونقل الحجارة، والسخرة في كل شيء، مع قتل الولدان، واستخدام النساء ﴿ قَدْ جِئْنَاكَ بِئَايَةٍ مّن رَّبّكَ ﴾ جملة جارية من الجملة الأولى وهي ﴿ إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ ﴾ مجرى البيان والتفسير، لأنّ دعوى الرسالة لاتثبت إلا ببينتها التي هي المجيء بالآية، إنما وحد قوله ﴿ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِأايَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ ولم يثن ومعه آيتان : لأنّ المراد في هذا الموضع تثبيت الدعوى ببرهانها، فكأنه قال : قد جئناك بمعجزة وبرهان وحجة على ما ادعيناه من الرسالة، وكذلك ﴿ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مّن رَّبّكُمْ ﴾ ( الأعراف : ١٠٥ )، ﴿ مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا فَأْتِ ﴾ ( الشعراء : ١٥٤ )، ﴿ أَوْ * لَوْ * جِئْتُكَ بِشَىء مُّبِينٍ ﴾ ( الشعراء : ٣٠ ) يريد : وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين، وتوبيخ خزنة النار والعاب على المكذبين.
! ٧ < ﴿ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يامُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِى أَعْطَى كُلَّ شَىءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ > ٧ !
< < طه :( ٤٩ ) قال فمن ربكما..... > > خاطب الاثنين، ووجه النداء إلى أحدهما وهو موسى ؛ لأنه الأصل في النبوة، وهارون وزيره وتابعه. ويحتمل أن يحمله خبثه ودعارته على استدعاء كلام موسى دون كلام أخيه. لما عرف من فصاحة هارون والرتة في لسان موسى. ويدل عليه قوله :﴿ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مّنْ هَاذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ ﴾ ( الزخرف : ٥٢ ) ﴿ خَلَقَهُ ﴾ أول مفعولي أعطى، أي : أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به. أو ثانيهما، أي : أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به، كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان : كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة، غير ناب عنه. أو أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة، حيث جعل الحصان والحِجر. زوجين، والبعير والناقة، والرجل والمرأة، فلم يزاوج منها شيئاً غير جنسه وما هو على خلاف خلقه. وقرىء ( خَلَقَهُ ) صفة للمضاف أو للمضاف إليه، أي : كل شيء خلقه الله لم يخله من عطائه وإنعامه ﴿ ثُمَّ هَدَى ﴾ أي عرف كيف يرتفق بما أعطى، وكيف يتوصل إليه. ولله درّ هذا الجواب ما أخصره وما أجمعه، وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإنصاف وكان طالباً للحق.

__________


الصفحة التالية
Icon