حسن معه، وتواضع له وخفض جناح، وتنبيه على إعطائهم النصفة من أنفسهم، وكأن الله عز وعلا ألهمهم ذلك، وعلم موسى صلوات الله عليه اختيار إلقائهم أولاً، مع ما فيه من مقابلة أدب بأدب، حتى يبرزوا ما معهم من مكايد السحر. ويستنفدوا أقصى طوقهم، ومجهودهم، فإذا فعلوا : أظهر الله سلطانه وقذف بالحق على الباطل فدمغه، وسلط المعجزة على السحر فمحقته، وكانت آية نيرة للناظرين، وعبرة بينة للمعتبرين. يقال في ﴿ إِذَا ﴾ هذه : إذا المفاجأة والتحقيق فيها أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت، الطالبة ناصباً لها وجملة تضاف إليها، خصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلاً مخصوصاً وهو فعل المفاجأة والجملة ابتدائية لا غير، فتقدير قوله تعالى :﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ ﴾ ففاجأ موسى وقت تخييل سعي حبالهم وعصيهم. وهذا تمثيل. والمعنى : على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي. وقرىء :( عُصيهم ) بالضم وهو الأصل بالكسر إتباع ونحوه : دُليّ ودِليّ، وقُسِيّ وقِسِيّ وقرىء ( تخيل ) على إسناده إلى ضمير الحبال والعصي وإبدال قوله :﴿ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ من الضمير بدل الاشتمال، كقولك : أعجبني زيد كرمه، وتخيل على كون الحبال والعصى مخيلة سعيها. وتخيل. بمعنى تتخيل. وطريقه طريق تخيل. ونخيل : على أنّ الله تعالى هو المخيل للمحنة والابتلاء. يروى : أنهم لطخوها بالزئبق، فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت. فخيلت ذلك.
! ٧ < ﴿ فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى * قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاٌّ عْلَى * وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ > ٧ !
< < طه :( ٦٧ ) فأوجس في نفسه..... > > إيجاس الخوف : إضمار شيء منه، وكذلك توجس الصوت : تسمع نبأة يسيرة منه، وكان ذلك لطبع الجبلة البشرية، وأنه لا يكاد يمكن الخلو من مثله. وقيل : خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه ﴿ إِنَّكَ أَنتَ الاْعْلَى ﴾ فيه تقرير لغلبته وقهره، وتوكيد بالاستئناف وبكلمة التشديد وبتكرير الضمير وبلام التعريف وبلفظ العلوّ وهو الغلبة الظاهرة وبالتفضيل. وقوله ﴿ مَا فِى يَمِينِكَ ﴾ ولم يقل عصاك : جائز أن يكون تصغيراً