لهؤلاء الثلاثة، قال الملك : ومن هم ؟ قال شمعون : وهذان، فتعجب الملك. فلما رأى شمعون أنّ قوله قد أثّر فيه نصحه فآمن وآمن معه قوم، ومن لن يؤمن صاح عليهم جبريل عليه السلام صيحة فهلكوا ﴿ فَعَزَّزْنَا ﴾ فقوّينا. يقال : المطر يعزز الأرض إذا لبدها وشدّها، وتعزز لحم الناقة. وقرىء : بالتخفيف من عزه يعزه : إذا غلبه، أي : فغلبنا وقهرنا ﴿ بِثَالِثٍ ﴾ وهو شمعون. فإن قلت : لم ترك ذكر المفعول به ؟ قلت : لأنّ الغرض ذكر المعزز به وهو شمعون وما لطف فيه من التدبير حتى عزّ الحق وذلّ الباطل، وإذا كان الكلام منصباً إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له وتوجهه إليه، كأن ما سواه مرفوض مطرح. ونظيره قولك : حكم السلطان اليوم بالحق، الغرض المسوق إليه : قولك بالحق فلذلك رفضت ذكر المحكوم وله المحكوم عليه. إنما رفع بشر هنا ونصب في قوله :﴿ مَا هَاذَا بَشَرًا ﴾ ( يوسف : ٣١ ) لأنّ إلاّ تنقض النفي، فلا يبقى لما المشبهة بليس شبه، فلا يبقى له عمل. فإن قلت : لم قيل : إنا إليكم مرسلون أوّلاً، ﴿ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴾ آخراً ؟ قلت : لأنّ الأوّل ابتداء إخبار، والثاني جواب عن إنكار.
! ٧ < ﴿ قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ > ٧ !
< < يس :( ١٦ ) قالوا ربنا يعلم..... > > وقوله :﴿ رَبُّنَا يَعْلَمُ ﴾ جار مجرى القسم في التوكيد، وكذلك قولهم : شهد الله، وعلم الله. وإنما حسن منهم هذا الجواب الوارد على طريق التوكيد والتحقيق مع قولهم :﴿ وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ أي الظاهر المكشوف بالآيات الشاهدة لصحته ؛ وإلا فلو قال المدعي : والله إني لصادق فيما أدعي ولم يحضر البينة كان قبيحاً.
! ٧ < ﴿ قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَءِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ > ٧ !
< < يس :( ١٨ ) قالوا إنا تطيرنا..... > > ﴿تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ﴾ تشاءمنا بكم، وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منهم نفوسهم، وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شيء مالوا إليه واشتهوه وآثروه وقبلته طباعهم، ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه، فإن أصابهم نعمة أو بلاء قالوا ببركة هذا وبشؤم هذا، كما حكى الله عن القبط :﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ ﴾ ( الأعراف : ١٣١ ). وعن