اشمئزازهم واستبشارهم ورجوعهم إلى الله في الشدائد دون آلهتهم، كأنه قيل : قل رب لا يحكم بيني وبين هؤلاء الذين يجترؤن عليك مثل هذه الجراءة، ويرتكبون مثل هذا المنكر إلا أنت. وقوله :﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ ( الزمر : ٤٧ ) متناول لهم ولكل ظالم إن جعل مطلقاً، وإياهم خاصة إن عنيتهم به، كأنه قيل : ولو أنّ لهؤلاء الظالمين ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به. حين أحكم عليهم بسوء العذاب، وهذه الأسرار والنكت لا يبرزها إلا علم النظم، وإلا بقيت محتجبة في أكمامها. وأما الآية الأولى فلم تقع مسببة وما هي إلاّ جملة ناسبت جملة قبلها فعطفت عليها بالواو، كقولك : قام زيد وقعد عمرو. فإن قلت : من أي وجه وقعت مسببة ؟ والاشمئزاز عن ذكر الله ليس بمقتض لالتجائهم إليه، بل هو مقتض لصدوفهم عنه. قلت : في هذه التسبيب لطف، وبيانه أن تقول : زيد مؤمن بالله، فإذا مسّه ضرّ التجأ إليه، فهذا تسبيب ظاهر لا لبس فيه، ثم تقول : زيد كافر بالله، فإذا مسّه ضرّ التجأ إليه، فتجيء بالفاء مجيئك به ثمة، كأنّ الكافر حين التجأ إلى الله التجاء المؤمن إليه، مقيم كفره مقام الإيمان، ومجريه مجراه في جعله سبباً في الالتجاء، فأنت تحكي ما عكس فيه الكافر. ألا ترى أنك تقصد بهذا الكلام الإنكار والتعجب من فعله. ؟
! ٧ < ﴿ قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَالَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَاؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاّيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ > ٧ !
< < الزمر :( ٥٠ ) قد قالها الذين..... > > الضمير في ﴿ قَالَهَا ﴾ راجع إلى قوله :﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾ ( القصص : ٧٨ )، ( الزمر : ٤٩ ) لأنها كلمة أو جملة من القول. وقرىء :( قد قاله ) على معنى القول والكلام، وذلك والذين من قبلهم : هم قارون وقومه، حيث قال : إنما أوتيته على علم عندي وقومه راضون بها، فكأنهم قالوها. ويجوز أن يكون في الأمم الخالية آخرون قائلون مثلها ﴿ فَمَآ أَغْنَى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ من متاع الدنيا ويجمعون منه ﴿ مِنْ هَؤُلاَء ﴾ من مشركي قومك ﴿ سَيُصِيبُهُمْ ﴾ مثل ما أصاب أولئك، فقتل صناديدهم ببدر، وحبس عنهم الرزق، فقحطوا سبع سنين، ثم بسط لهم فمطروا سبع سنين، فقيل لهم :﴿ أَوَ لَمْ * يَعْلَمُواْ ﴾ أنه لا قابض ولا باسط إلاّ الله عزّ وجلّ.
! ٧ < { قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ