أنّ جزاءها محذوف، وإنما حذف لأنه صفة ثواب أهل الجنة، فدلّ بحذفه على أنه شيء لا يحيط به الوصف، وحق موقعه ما بعد خالدين. وقيل : حتى إذا جاؤوها، جاؤوها وفتحت أبوابها، أي : مع فتح أبوابها. وقيل : أبواب جهنم لا تفتح إلاّ عند دخول أهلها فيها. وأما أبواب الجنة فمتقدم فتحها، بدليل قوله :﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الاْبْوَابُ ﴾ ( ص : ٥٠ ) فلذلك جيء بالواو، كأنه قيل : حتى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها. فإن قلت : كبف عبر عن الذهاب بالفريقين جميعاً بلفظ السوق ؟ قلت : المراد بسوق أهل النار : طردهم إليها بالهوان والعنف، كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل. والمراد بسوق أهل الجنة : سوق مراكبهم، لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين، وحثها إسراعاً بهم إلى دار الكرامة والرضوان، كما يفعل بمن يشرف ويكرّم من الوافدين على بعض الملوك، فشتان ما بين السوقين ﴿ طِبْتُمْ ﴾ من دنس المعاصي. وطهرتم من خبث الخطايا ﴿ فَادْخُلُوهَا ﴾ جعل دخول الجنة مسبباً عن الطيب والطهارة، فما هي إلاّ دار الطيبين ومثوى الطاهرين ؛ لأنها دار طهرها الله من كل دنس، وطيبها من كل قذر، فلا يدخلها إلاّ مناسب لها موصوف بصفتها، فما أبعد أحوالنا من تلك المناسبة، وما أضعف سعينا في اكتساب تلك الصفة، إلاّ أن يهب لنا الوهاب الكريم توبة نصوحاً، تقي أنفسنا من درن الذنوب، وتميط وضر هذه القلوب ﴿ خَالِدِينَ ﴾ مقدرين الخلود ﴿ الاْرْضِ ﴾ عبارة عن المكان الذي أقاموا فيها كما يشاؤون، تشبهاً بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه واتساعه فيه، وذهابه في إنفاقه طولاً وعرضاً. فإن قلت : ما معنى قوله :﴿ حَيْثُ نَشَاء ﴾ وهل يتبوأ أحدهم مكان غيره ؟ قلت : يكون لكل واحد منهم جنة لا توصف سعة وزيادة على الحاجة، فيتبوأ من جنته حيث يشاء ولا يحتاج إلى جنة غيره.
! ٧ < ﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ > ٧ !
< < الزمر :( ٧٥ ) وترى الملائكة حافين..... > > ﴿حَافّينَ ﴾ محدقين من حوله ﴿ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ ﴾ يقولون : سبحان الله والحمد لله، متلذذين لا متعبدين. فإن قلت : إلام يرجع الضمير في قوله :﴿ بَيْنَهُمْ ﴾ ؟ قلت : يجوز أن يرجع إلى العباد كلهم، وأن إدخال بعضهم النار وبعضهم الجنة لا يكون إلاّ قضاء بينهم بالحق والعدل، وأن يرجع إلى الملائكة، على أن ثوابهم وإن كانوا معصومين جميعاً لا يكون على سنن واحد، ولكن يفاضل بين مراتبهم على حسب تفاضلهم في أعمالهم، فهو القضاء بينهم بالحق. فإن قلت : قوله :﴿ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ من القائل ذلك ؟ قلت : المقضي بينهم إما جميع العباد وإما الملائكة، كأنه قيل : وقضى

__________


الصفحة التالية
Icon