الخلائق تلتقي فيه. وقيل : يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض. وقيل : المعبود والعابد ﴿ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ﴾ ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء، لأنّ الأرض بارزة قاع صفصف، ولا عليهم ثياب، إنما هم عراة مكشوفون، كما جاء في الحديث :
( ٩٨٠ ) ( يحشرون عراة حفاة غرلاً ) ﴿ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَىْء ﴾. أي : أن أعمالهم وأحوالهم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه : لا يخفى عليه منهم شيء. فإن قلت : قوله :﴿ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَىْء ﴾ : بيان وتقرير لبروزهم، والله تعالى لا يخفى عليه منهم شيء برزوا أو لم يبرزوا، فما معناه ؟ قلت : معناه أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا إذا استتروا بالحيطان والحجب : أنّ الله لا يراهم ويخفى عليه أعمالهم، فهم اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما كانوا يتوهمونه. قال الله تعالى : ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون. وقال تعالى :﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ ﴾ ( النساء : ١٠٨ ) وذلك لعلمهم أنّ الناس يبصرونهم ؛ وظنهم أنّ الله لا يبصرهم، وهو معنى قوله :﴿ وَبَرَزُواْ للَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ ( إبراهيم : ٤٨ )، ﴿ لّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ حكاية لما يسئل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به. ومعناه : أنه ينادي مناد فيقول : لمن الملك اليوم ؟ فيجيبه أهل المحشر : لله الواحد القهار. وقيل : يجمع الله الخلائق يوم القيامة في صعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله فيها قط ( فأوّل ما يتكلم به أن ينادي منادٍ :( لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار. اليوم تجزي كل نفس... ) الآية. فهذا يقتضي أن يكون المنادي هو المجيب.
! ٧ < ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ > ٧ !
< < غافر :( ١٧ ) اليوم تجزى كل..... > > لما قرّر أن الملك لله وحده في ذلك اليوم عدّد نتائج ذلك، وهي أنّ كل نفس تجزي ما كسبت وأن الظلم مأمون، لأن الله ليس بظلام للعبيد، وأن الحساب لا يبطىء، لأن الله لا يشغله حساب على حساب، فيحاسب الخلق كله في وقت واحد وهو أسرع الحاسبين. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : إذا أخذ في حسابهم لم يقل أهل الجنة إلاّ فيها ولا أهل النار إلاّ فيها.

__________


الصفحة التالية
Icon