القتل الثاني، وكان فرعون قد كفّ عن قتل الولدان، فلما بعث موسى وأحسّ بأنه قد وقع : أعاده عليهم غيظاً وحنقاً، وظناً منه أنه يصدهم بذلك عن مظاهرة موسى، وما علم أنّ كيده ضائع في الكرتين جميعاً.
! ٧ < ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّى أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى الاٌّ رْضِ الْفَسَادَ ﴾ > ٧ !
< < غافر :( ٢٦ ) وقال فرعون ذروني..... > > ﴿ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى ﴾ كانوا إذا هم بقتله كفوه بقولهم : ليس بالذي تخافه، وهو أقل من ذلك وأضعف، وما هو إلا بعض السحرة، ومثله لا يقاوم إلاّ ساحراً مثله، ويقولون : إذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس، واعتقدوا أنك قد عجزت عن معارضته بالحجة، والظاهر أنّ فرعون لعنة الله كان قد استيقن أنه نبيّ، وأن ما جاء به وما هو بسحر، ولكن الرجل كان فيه خب وجربزة، وكان قتالاً سفاكاً للدماء في أهون شيء، فكيف لا يقتل من أحس منه بأنه هو الذي يثل عرشه ويهدم ملكه، ولكنه كان يخاف إن همّ بقتله أن يعاجل بالهلاك. وقوله :﴿ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ﴾ شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه، وكان قوله :﴿ ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى ﴾ تمويهاً على قومه، وإيهاماً أنهم هم الذين يكفونه، وما كان يكفه إلاّ ما في نفسه من هول الفزع ﴿ أَن يُبَدّلَ دِينَكُمْ ﴾ أن يغير ما أنتم عليه، وكانوا يعبدونه ويعبدون الأصنام، بدليل قوله :﴿ وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ ﴾ ( الأعراف : ١٢٧ ) والفساد في الأرض : التفاتن والتهارج الذي يذهب معه الأمن وتتعطل المزارع والمكاسب والمعايش، ويهلك الناس قتلاً وضياعاً، كأنه قال : إني أخاف أن يفسد عليكم دينكم بدعوتكم إلى دينه. أو يفسد عليكم دنياكم بما يظهر من الفتن بسببه. وفي مصاحف أهل الحجاز وأن يظهر بالواو، ومعناه. إني أخاف فساد دينكم ودنياكم معاً.