ولم يعزوا. والدليل عليه قول فرعون :﴿ فَلَمَّا جَاءهُمْ بِالْحَقّ مِنْ ﴾ ( غافر : ٢٥ ). وقول المؤمن :﴿ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءنَا ﴾ ( غافر : ٢٩ ) دليل ظاهر على أنه ينتصح لقومه ﴿ أَن يَقُولَ ﴾ لأن يقول، وهذا إنكار منه عظيم وتبكيت شديد، كأنه قال : أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة، وما لكم علة قط في ارتكابها إلاّ كلمة الحق التي نطق بها وهي قوله :﴿ رَبّىَ اللَّهُ ﴾ مع أنه لم يحضر لتصحيح قوله بينة واحدة، ولكن بينات عدّة من عند من نسب إليه الربوبية، وهو ربكم لا ربه وحده، وهو استدراج لهم إلى الاعتراف به، وليلين بذلك جماحهم ويكسر من سورتهم، ولك أن تقدر مضافاً محذوفاً، أي : وقت أن تقول. والمعنى : أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذاالقول من غير روية ولا فكر في أمره. وقوله :﴿ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ يريد : بالبينات العظيمة التي عهدتموها وشهدتموها، ثم أخذهم بالاحتجاج على طريقة التقسيم فقال : لا يخلو من أن يكون كاذباً أو صادقاً، ﴿ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ﴾ أي : يعود عليه كذبه ولا يتخطاه ضرره، ﴿ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ﴾ ما يعدكم إن تعرّضتم له. فإن قلت : لم قال : بعض ﴿ الَّذِى يَعِدُكُمْ ﴾ وهو نبيّ صادق، لا بد لما بعدهم أن يصيبهم كله لا بعضه قلت : لأنه احتاج في مقاولة خصوم موسى ومنا كريه إلى أن يلاوصهم ويداريهم، ويسلك معهم طريق الأنصاف في القول، ويأتيهم من وجهة المناصحة، فجاء بما علم أنه أقرب إلى تسليمهم لقوله، وأدخل في تصديقهم له وقبولهم منه، فقال :﴿ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِى يَعِدُكُمْ ﴾ وهو كلام المنصف في مقاله غير المشتط فيه، ليسمعوا منه ولا يردّوا عليه، وذلك أنه حين فرضه صادقاً فقد أثبت أنه صادق في جميع ما يعد، ولكنه أردفه ﴿ يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِى يَعِدُكُمْ ﴾ ليهضمه بعض حقه في ظاهر الكلام، فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه حقه وافياً، فضلاً أن يتعصب له، أو يرمي بالحصا من ورائه، وتقديم الكاذب على الصادق أيضاً من هذا القبيل، وكذلك قوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ * يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾. فإن قلت : فعن أبي عبيدة أنه فسر البعض بالكل، وأنشد بيت لبيد :% ( تَرَّاكُ امْكِنَةٍ إذَا لَمْ أَرْضَهَا % أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضُ النُّفُوسِ حِمَامَهَا

__________


الصفحة التالية
Icon