قيل : الصرح : البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد، اشتقوه من صرح الشيء إذا ظهر، و ﴿ أَسْبَابَ السَّمَاواتِ ﴾ طرقها وأبوابها وما يؤدي إليها، وكل ما أداك إلى شيء فهو سبب إليه، كالرشاء ونحره، فإن قلت : ما فائدة هذا التكرير ؟ ولو قيل : لعلي أبلغ أسباب السماوات لأجزأ ؟ قلت : إذا أبهم الشيء ثم أوضح كان تفخيماً لشأنه، فلما أراد تفخيم ما أمل بلوغه من أسباب السماوات أبهمها ثم أوضحها، ولأنه لما كان بلوغها أمراً عجيباً أراد أن يورده على نفس متشوقة إليه، ليعطيه السامع حقه من التعجب، فأبهمه ليشوف إليه نفس هامان، ثم أوضحه. وقرىء :( فأطلع ) بالنصب على جواب الترجي، تشبهاً للترجي بالتمني. ومثل ذلك التزيين وذلك الصدّ ﴿ زُيّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوء عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ والمزين : إما الشيطان بوسوسته، كقوله تعالى :﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ ( النمل : ٣٤ ) أو الله تعالى على وجه التسبيب، لأنه مكن الشيطان وأمهله. ومثله :﴿ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴾ ( النمل : ٤ ). وقرىء :( وزين لهم سوء عمله ) على البناء للفاعل والفعل لله عزّ وجلّ، دلّ عليه قوله :﴿ إِلَى إِلَاهِ مُوسَى ﴾ وصدّ، بفتح الصاد وضمها وكسرها، على نقل حركة العين إلى الفاء، كما قيل : قيل. والتباب : الخسران والهلاك. وصدّ : مصدر معطوف على سوء عمله وصدّوا هو وقومه.
! ٧ < ﴿ وَقَالَ الَّذِىءَامَنَ ياقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * ياقَوْمِ إِنَّمَا هَاذِهِ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الاٌّ خِرَةَ هِىَ دَارُ الْقَرَارِ ﴾ > ٧ !
< < غافر :( ٣٨ - ٣٩ ) وقال الذي آمن..... > > قال :﴿ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ فأجمل لهم، ثم فسر فافتتح بذم الدنيا وتصغير شأنها ؛ لأنّ الإخلاد إليها هو أصل الشرّ كله، ومنه يتشعب جميع ما يؤدي إلى سخط الله ويجلب الشقاوة في العاقبة. وثنى بتعظيم الآخرة والاطلاع على حقيقتها، وأنها هي الوطن والمستقرّ. وذكر الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما، ليثبط عما يتلف وينشط لما يزلف، ثم وازن بين الدعوتين : دعوة إلى دين الله الذي ثمرته النجاة، ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار، وحذر، وأنذر، واجتهد في ذلك واحتشد، لا جرم أن الله استثناه من آل فرعون، وجعله حجة عليهم وعبرة للمعتبرين، وهو قوله تعالى :﴿ فَوقَاهُ اللَّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَرُواْ وَحَاقَ بِئَالِ فِرْعَوْنَ سُوء الْعَذَابِ ﴾ وفي هذا أيضاً دليل بيّن على أن الرجل كان من آل فرعون. والرشاد نقيض الغي. وفيه تعريض شبيه بالتصريح أنّ ما عليه فرعون وقومه هو سبيل الغي.

__________


الصفحة التالية
Icon