وامتد إليه. ومنه قوله تعالى :﴿ فَاسْتَقِيمُواْ إِلَيْهِ ﴾ ( فصلت : ٦ ) والمعنى : ثم دعاه داعي الحكمة إلى خلق السماء بعد خلق الأرض وما فيها من غير صارف يصرفه عن ذلك. قيل : كان عرشه قبل خلق السماوات والأرض على الماء، فأخرج من الماء دخاناً، فارتفع فوق الماء وعلا عليه، فأيبس الماء فجعله أرضاً واحدة، ثم فتقها فجعلها أرضين، ثم خلق السماء من الدخان المرتفع. ومعنى أمر السماء والأرض بالإتيان وامتثالهما : أنه أراد تكوينهما فلما يمتنعا عليه، ووجدتا كما أرادهما، وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه فعل الأمر المطاع، وهو من المجاز الذي يسمى التمثيل. ويجوز أن يكون تخييلاً ويبنى الأمر فيه على أن الله تعالى كلم السماء والأرض وقال لهما : ائتيا شئتما ذلك أو أبيتماه، فقالتا : أتينا على الطوع لا على الكره. والغرض تصوير أثر قدرته في المقدورات لا غير ؛ من غير أن يحقق شيء من الخطاب والجواب. ونحوه قول القائل : قال الجدار للوتد : لم تشقني ؟ قال الوتد : اسأل من يدقني، فلم يتركني، ورائي الحجر الذي ورائي. فإن قلت : لم ذكر الأرض مع السماء وانتظمها في الأمر بالإتيان، والأرض مخلوقة قبل السماء بيومين ؟ قلت : قد خلق جرم الأرض أو لا غير مدحوّة، ثم دحاها بعد خلق السماء، كما قال تعالى :﴿ وَالاْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ ( النازعات : ٣٠ ) فالمعنى : ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف : ائتي يا أرض مدحوّة قراراً ومهاداً لأهلك، وائتي يا سماء مقببة سقفاً لهم. ومعنى الإتيان : الحصول والوقوع، كما تقول : أتى عمله مرضياً، وجاء مقبولاً. ويجوز أن يكون المعنى : لتأت كل واحدة منكما صاحبتها الإتيان الذي أريده وتقتضيه الحكمة والتدبير : من كون الأرض قراراً للسماء، وكون السماء سقفاً للأرض. وتنصره قراءة من قرأ :( آتيا ) وآتينا : من المؤاتاة وهي الموافقة : أي : لتوات كل واحدة أختها ولتوافقها. قالتا : واقفنا وساعدنا. ويحتمل وافقاً أمري ومشيئتي ولا تمتنعا. فإن قلت : ما معنى طوعاً أو كرهاً ؟ قلت : هو مثل للزوم وتأثير قدرته فيهما، وأن امتناعهما من تأثير قدرته محال ؛ كما يقول الجبار لمن تحت