أي : من قبلهم وممن يجيء من خلفهم، أي : من بعدهم ؛ فكان الرسل جميعاً قد جاؤهم. وقولهم :( إنا بما أرسلتم به كافرون ) خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء الذين دعوا إلى الإيمان بهم. أن في ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ ﴾ بمعنى أي، أو مخففة من الثقيلة، أصله : بأنه لا تعبدوا، أي : بأنّ الشأن والحديث قولنا لكم : لا تعبدوا، ومفعول شاء محذوف أي :﴿ لَوْ شَاء رَبُّنَا ﴾ إرسال الرسل ﴿ لاَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ معناه : فإذا أنتم بشر ولستم بملائكة، فإنا لا نؤمن بكم وبما جئتم به، وقولهم :﴿ أُرْسِلْتُمْ بِهِ ﴾ ليس بإقرار بالإرسال، وإنما هو على كلام الرسل، وفيه تهكم، كما قال فرعون :﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ ( الشعراء : ٢٧ ). روى أنّ أبا جهل قال في ملأ من قريش : قد التبس علينا أمر محمد، فلو التمستم لنا رجلاً عالماً بالشعر والكهانة والسحر فكلمه ثم أتانا ببيان عن أمره، فقال عتبة بن ربيعة : والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علماً، وما يخفى عليّ، فأتاه فقال : أنت يا محمد خير أم هاشم ؟ أنت خير أم عبد المطلب ؟ أنت خير أم عبد الله ؟ فبم تشتم آلهتنا وتضلّلنا، فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك اللواء فكنت رئيسنا، وإن تك بك الباءة زوّجناك عشر نسوة تختار من أي بنات قريش شئت، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به، ورسول الله ﷺ ساكت ؛ فلما فرغ قال : بسم الله الرحمان الرحيم ﴿ حم ﴾ إلى قوله :﴿ صَاعِقَةً مّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾ ( فصلت : ١٣ ) فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم، ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش فلما احتبس عنهم قالوا : ما نرى عتبة إلاّ قد صبأ، فانطلقوا إليه وقالوا : يا عتبة ما حبسك عنا إلاّ أنك قد صبأت، فغضب وأقسم لا يكلم محمداً أبداً ثم قال : والله لقد كلمته فأجابني بشيء من الله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، ولما بلغ صاعقة عاد وثمود : أمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب.