الهدى، والدليل عليه قولك : هديته فاهتدى، بمعنى : تحصيل البغية وحصولها، كما تقول : ردعته فارتدع، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجرّدة ؟ قلت : للدلالة على أنه مكنهم وأزاح عللهم ولم يُبق له عذراً ولا علة، فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها ﴿ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ ﴾ داهية العذاب وقارعة العذاب. و ﴿ الْهُونِ ﴾ الهوان، وصف به العذاب مبالغة، أو أبدله منه، ولو لم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة بشهادة نبيها ﷺ وكفى به شاهداً إلاّ هذه الآية، لكفى بها حجة.
! ٧ < ﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ > ٧ !
< < فصلت :( ١٩ ) ويوم يحشر أعداء..... > > قرىء :( يحشر ) على البناء للمفعول. ونحشر بالنون وضم الشين وكسرها، ويحشر : على البناء للفاعل، أيّ : يحشر الله عزّ وجلّ ﴿ أَعْدَاء اللَّهِ ﴾ الكفار من الأوّلين والآخرين ﴿ يُوزَعُونَ ﴾ أي : يحبس أوّلهم على آخرهم، أي : يستوقف سوابقهم حتى يلحق بهم تواليهم، وهي عبارة عن كثرة أهل النار، نسأل الله أن يجيرنا منها بسعة رحمته ؛ فإن قلت :( ما ) في قوله :﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاءوهَا ﴾ ما هي ؟ قلت : مزيدة للتأكيد، ومعنى التأكيد فيها : أنّ وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم، ولا وجه لأن يخلو منها. ومثله قوله تعالى :﴿ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءامَنْتُمْ بِهِ ﴾ ( يونس : ٥١ ) أي : لا بدّ لوقت وقوعه من أن يكون وقت إيمانهم به شهادة الجلود بالملامسة للحرام، وما أشبه ذلك مما يفضي إليها من المحرّمات. فإن قلت : كيف تشهد عليهم أعضاؤهم وكيف تنطق ؟ قلت : الله عزّ وجلّ ينطقها كما أنطق الشجرة بأن يخلق فيها كلاماً. وقيل : المراد بالجلود :

__________


الصفحة التالية
Icon