بعث الله إليهم النبيين مبشرين ومنذرين وجاءهم العلم. وإنما اختلفوا للبغي بينهم. وقيل : وما تفرّق أهل الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث رسول الله ﷺ، كقوله تعالى :﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيّنَةُ ﴾ ( البينة : ٤ ) وإنّ الذين ( أورثوا ) الكتاب من بعدهم هم المشركون : أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب التوراة والإنجيل. وقرىء ( ورّثوا ) وورثوا.
! ٧ < ﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لاًّعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ > ٧ !
< < الشورى :( ١٥ ) فلذلك فادع واستقم..... > > ﴿فَلِذَلِكَ ﴾ فلأجل التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعباً ﴿ فَادْعُ ﴾ إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية القديمة ﴿ وَاسْتَقِمْ ﴾ عليها وعلى الدعوة إليها كما أمرك الله ﴿ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ ﴾ المختلفة الباطنة بما أنزل الله من كتاب، أيّ كتاب صحّ أنّ الله أنزله، يعني الإيمان بجميع الكتب المنزلة ؛ لأنّ المتفرقين آمنوا ببعض وكفروا ببعض، كقوله تعالى :﴿ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ﴾ ( النساء : ١٥٠ ) إلى قوله :﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً ﴾ ( النساء : ١٥١ ) ﴿ لاِعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إليّ ﴿ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ﴾ أي لا خصومة : لأنّ الحق قد ظهر وصرتم محجوبين به فلا حاجة إلى المحاجة. ومعناه : لا إيراد حجة بيننا ؛ لأنّ المتحاجين : يورد هذا حجته وهذا حجته ﴿ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ﴾ يوم القيامة فيفصل بيننا وينتقم لنا منكم ؛ وهذه محاجزة ومتاركة بعد ظهور الحق وقيام الحجة والإلزام. فإن قلت : كيف حوجزوا وقد فعل بهم بعد ذلك ما فعل من القتل وتخريب البيوت وقطع النخيل والإجلاء ؟ قلت : المراد محاجزتهم في مواقف المقاولة لا المقاتلة.
! ٧ < ﴿ وَالَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِى اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسَتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ > ٧ !
< < الشورى :( ١٦ ) والذين يحاجون في..... > > ﴿ يُحَاجُّونَ فِى اللَّهِ ﴾ يخاصمون في دينه ﴿ مِن بَعْدِ ﴾ ما استجاب له الناس ودخلوا في الإسلام، ليردّوهم إلى دين الجاهلية، كقوله تعالى :﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا ﴾ ( البقرة : ١٠٩ ) كان اليهود والنصارى يقولون للمؤمنين : كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن خير منكم وأولى بالحق. وقيل : من بعد ما استجاب الله لرسوله ونصره يوم بدر وأظهر دين الإسلام ﴿ دَاحِضَةٌ ﴾ باطلة زالة.

__________


الصفحة التالية
Icon