الْكَافِرِينَ } ( مريم : ٨٣ ) وقرىء ( يقيض ) أي : يقيض له الرحمان ويقيض له الشيطان. فإن قلت : لم جمع ضمير من وضمير الشيطان في قوله :﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ ﴾ ؟ قلت : لأنّ ( من ) مبهم في جنس العاشي، وقد قيض له شيطان مبهم في جنسه، فلما جاز أن يتناولا لإبهامهما غير واحدين : جاز أن يرجع الضمير إليهما مجموعاً ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءنَا ﴾ العاشي. وقرىء ( جاآنا ) على أنّ الفعل له ولشيطانه. ﴿ قَالَ ﴾ لشيطانه ﴿ قَالَ يالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ ﴾ يريد المشرق والمغرب، فغلب كما قيل : العمران والقمران. فإن قلت : فما بعد المشرقين ؟ قلت : تباعدهما، والأصل : بعد المشرق من المغرب، والمغرب من المشرق. فلما غلب وجمع المفترقين بالتثنية : أضاف البعد إليهما ﴿ أَنَّكُمْ ﴾ في محل الرفع على الفاعلية، يعني : ولن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب كما ينفع الواقعين في الأمر الصعب اشتراكهم فيه، لتعاونهم في تحمل أعبائه وتقسمهم لشدّته وعنائه، وذلك أنّ كل واحد منكم به من العذاب ما لا تبلغه طاقته، ولك أن تجعل الفعل للتمني في قوله :( يا ليت بيني وبينك ) على معنى : ولن ينفعكم اليوم ما أنتم فيه من تمنى مباعدة القرين. وقوله :﴿ أَنَّكُمْ فِى الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾ تعليل، أي : لن ينفعكم تمنيكم ؛ لأنّ حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركون في سببه وهو الكفر. وتقوّيه قراءة من قرأ ( إنكم بالكسر ) وقيل : إذا رأى الممنو بشدّة من منى بمثلها : روّحه ذلك ونفس بعض كربه، وهو التأسي الذي ذكرته الخنساء :% ( أُعَزِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي ;
فهؤلاء لا يؤسيهم اشتراكهم ولا يروّحهم ؛ لعظم ما هم فيه. فإن قلت : ما معنى قوله تعالى :﴿ إِذ ظَّلَمْتُمْ ﴾ ؟ قلت : معناه : إذ صح ظلمكم وتبين ولم يبق لكم ولا لأحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين، وذلك يوم القيامة. وإذ : بدل من اليوم. ونظيره :% ( إِذَا مَا انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدْنِي لَئِيمَة ;
أي : تبين أني ولد كريمة.

__________


الصفحة التالية
Icon