الحقيقة، ووصف الأمر به مجاز ﴿ أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا ﴾ نصب على الاختصاص. جعل كل أمر جزلاً فخماً بأن وصفه بالحكيم، ثم زاده جزالة وكسبه فخامة بأن قال : أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا، كائناً من لدنا، وكما اقتضاه علمنا وتدبيرنا. ويجوز أن يراد به الأمر الذي هو ضد النهي، ثم إما أن يوضع موضع فرقانا الذي هو مصدر يفرق، لأنّ معنى الأمر والفرقان واحد، من حيث إنه إذا حكم بالشيء وكتبه فقد أمر به وأوجبه. أو يكون حالاً من أحد الضميرين في أنزلناه : إما من ضمير الفاعل، أي : أنزلناه آمرين أمراً. أو من ضمير المفعول أي أنزلناه في حال كونه أمراً من عندنا بما يجب أن يفعل فإن قلت :﴿ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مّن رَّبّكَ ﴾ بم يتعلق ؟ قلت : يجوز أن يكون بدلاً من قوله :﴿ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ و ﴿ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ ﴾ مفعولاً له، على معنى : إنا أنزلنا القرآن ؛ لأنّ من شأننا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم، وأن يكون تعليلاً ليفرق. أو لقوله :﴿ أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا ﴾ ورحمة : مفعولاً به، وقد وصف الرحمة بالإرسال كما وصفها به في قوله تعالى :﴿ وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ﴾ أي يفصل في هذه الليلة كل أمر. أو تصدر الأوامر من عندنا ؛ لأنّ من عادتنا أن نرسل رحمتنا. وفصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها من باب الرحمة ؛ وكذلك الأوامر الصادرة من جهته عز وعلا ؛ لأنّ الغرض في تكليف العباد تعريضهم للمنافع. والأصل : إنا كنا مرسليم رحمة منا، فوضع الظاهر موضع الضمير إيذاناً بأنّ الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين وفي قراءة زيد بن علي ( أمر من عندنا ) على : هو أمر وهي تنصر انتصابه على الاختصاص. وقرأ الحسن :( رحمة من ربك )، على : تلك رحمة، وهي تنصر انتصابها بأنها مفعول له ﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ وما بعده تحقيق لربوبيته، وأنها لا تحق إلا لمن هذه أوصافه. وقرىء ( رب السماوات... ربكم ورب آبائكم ) بالجر بدلاً من ربك. فإن قلت : ما معنى الشرط الذي هو قوله :﴿ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ ﴾ ؟ قلت : كانوا يقرون بأن للسماوات والأرض رباً وخالقاً، فقيل لهم : إنّ إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الرب، ثم قيل : إن هذا الرب هو السميع العليم الذي أنتم مقرون به ومعترفون بأنه رب السماوات والأرض وما بينهما إن كان إقراركم عن علم وإيقان، كما تقول : إنّ هذا إنعام زيد الذي تسامع الناس بكرمه واشتهر وإسخاؤه إن بلغك حديثه وحدثت بقصته.
! ٧ < ﴿ بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ يَلْعَبُونَ * فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَاذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ ﴾ > ٧ !
< < الدخان :( ٩ ) بل هم في..... > >

__________


الصفحة التالية
Icon